آخر الأخبارأخبار دولية

“التجمع الوطني” يسعى لتغيير صورته “الشيطانية” وتطبيع وجوده بالحياة السياسية


نشرت في: 04/07/2022 – 17:21

فتحت الانتخابات التشريعية الفرنسية وإنشاء الجمعية الوطنية الجديدة الطريق أمام مرحلة جديدة في استراتيجية حزب “التجمع الوطني”، الذي يرغب الآن في إظهار أنه حزب قادر على الحكم.

تقترب مارين لوبان و”التجمع الوطني” من هدفهما شيئا فشيئا، مع انتخاب 89 نائبا في 19 يونيو/حزيران واختيار سيباستيان تشينو وهيلين لابورت نائبين لرئيس الجمعية الوطنية، أصبح “التجمع الوطني” في غضون أسابيع قليلة حزبا مثل الآخرين تقريبا. تطور مذهل عندما نتذكر أنه قبل نحو شهرين، خلال ما بين دورتي الانتخابات الرئاسية، دعا إيمانويل ماكرون الناخبين للتصويت له من أجل عرقلة اليمين المتطرف.

في غضون ذلك، نظم حزب “التجمع الوطني” حملة انتخابية واقعية وقليلة الصخب خلال الانتخابات التشريعية. استراتيجية ناجعة ساهمت، إلى جانب انهيار “الجبهة الجمهورية” لناخبي اليمين واليسار في الدورة الثانية من المواجهات بين مرشحي “التجمع الوطني” وائتلاف “معا” و“الاتحاد الشعبي الاجتماعي والبيئي الجديد”، بإيصال 89 نائبا عن الحزب اليميني المتطرف.

قال الرئيس المؤقت لـ”التجمع الوطني” جوردان بارديلا في 23 يونيو/حزيران خلال مؤتمر صحفي: “لقد اكتملت الآن خطوة أخرى على طريق انضمامنا للمسؤوليات. حقبة جديدة تبزغ أمامنا. كل شيء بدأ”.

يعتزم حزب مارين لوبان، الذي كان مهمشا منذ فترة طويلة، الاستفادة من وضعه الجديد في الجمعية الوطنية لمواصلة السعي لتغيير صورة “الشيطان” الملتصقة به والتي بدأت قبل عشر سنوات. إنها الآن مسألة تطبيع، بل وحتى اكتساب طابع مؤسساتي. أصدرت المرشحة السابقة للإليزيه أوامرها مساء الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية، إذ قالت النائبة عن منطقة با دو كاليه في 19 يونيو/حزيران: “سنجسد معارضة حازمة، أي بدون تواطؤ، ولكن معارضة مسؤولة، أي أننا نحترم المؤسسات، ودائما بناءة لأن بوصلتنا الوحيدة هي مصلحة فرنسا والشعب الفرنسي”.

“إظهار أن ’التجمع الوطني‘ قادر على الحكم”

هكذا طالب حزب “التجمع الوطني” بالمكانة التي اعتبر أنه يستحقها بأن يكون مجموعة المعارضة الرئيسية، متقدما على 75 نائبا من حركة “فرنسا الأبية”، ولكن خلف 151 نائبا مجتمعين من “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد”، الذي تنضوي “فرنسا الأبية” ضمنه. هذا الهدف قد تحقق جزئيا، فإن كان جان فيليب تانغي قد فشل في أن يتم انتخابه على رأس لجنة المالية، فقد تم بالمقابل انتخاب سيباستيان تشينو وهيلين لابورت، من ناحية أخرى، نائبي رئيس للجمعية الوطنية، وبأصوات نواب من الأغلبية الرئاسية.

الباحث السياسي جان-إيف كامو المتخصص في أقصى اليمين، والمدير المشارك لـ” مرصد السياسة الراديكالية” في مؤسسة جان جوريس رأى أن “هذه مرحلة جديدة لمارين لوبان، التي وجدت منبرا غير متوقع في الجمعية الوطنية. بالنسبة لها، يتعلق الأمر الآن بجعل مجموعتها واجهة لحزب يسعى لإثبات قدرته على الحكم، بينما الفرنسيون غير مقتنعين بذلك. وبالتالي يريد الحزب إقناع الناخبين بأنه لا يمثل خطرا على الديمقراطية.

هذا يتضمن بشكل خاص الرموز وصفة اليمين المتطرف التي تود مارين لوبان بشدة التخلص منها. وهكذا طلبت الأخيرة من مكتب الجمعية الوطنية عدم وضع مجموعتها في الطرف الأيمن من المجلس، بل على يسار نواب حزب “الجمهوريون”، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، لكن بدون جدوى.

بالإضافة لذلك، فحتى وإن كانت مارين لوبان قد سجلت تقدما في كل انتخابات رئاسية – 17,90٪ من الأصوات في 2012، 21,30٪ ثم 33,90٪ في الدورة الثانية في 2017، 23,15٪ ثم 41,45٪ في الدورة الثانية في عام 2022 – فهي لا تزال تواجه سقفا زجاجيا. وستكون قادرة على تجاوزه إذا تمكنت من إقناع ناخبي حزب “الجمهوريون” بالثقة بها. ومن هنا جاءت اتهاماتها ضد نواب هذا الحزب الذين، حسب رأيها، جعلوا من الممكن انتخاب النائب عن “فرنسا الأبية” إيريك كوكريل رئيسا للجنة المالية، إذ غردت في 30 يونيو/حزيران “تم انتخاب اليساري الأكثر تعصبا والأكثر تطرفا رئيسا للجنة المالية بفضل اليمين الذي أظهر الجبن مرة أخرى. أنا مقتنعة بأن ناخبيهم لن ينسوا هذه الخيانة الجديدة”.

“التحدي الذي يمثله هذا التفويض هو أن نتمتع بالمصداقية”

إن اكتساب المصداقية في أعين الناخبين اليمينيين سوف يمر أيضا عبر نشاط نواب “التجمع الوطني” في قصر بوربون (مقر الجمعية الوطنية). يقدر جان-إيف كامو أن “العمل البرلماني لنواب التجمع الوطني سيكون مدروسا بشكل خاص. وسيحدث ذلك بشكل أساسي في لجان تجمعهم بمسؤولين منتخبين متخصصين في مواضيع معينة من خلال أن يكونوا دؤوبين وجادين للغاية. ومع ذلك، لن يكون العمل في اللجان بمثابة عذر، فإذا كنت عديم الفائدة أو إذا لم تفعل شيئا، فهذا سيظهر. هذه قضية رئيسية لمارين لوبان لأنه إذا لم يكن نوابها على المستوى المطلوب، فإن خصومها والصحافة لن يتوانوا في إبراز ذلك”.

ويؤكد عضو البرلمان الأوروبي عن “التجمع الوطني”، تييري مارياني، المسؤول المنتخب والوزير الجمهوري السابق، الذي انضم إلى “التجمع الوطني” عام 2019 أنه “مع 89 نائبا، سنكون قادرين على العمل بشكل صحيح. سيكون لدينا مساعدون لإعداد النصوص، ووقت التحدث، والخلايا التي ستتيح لنا تقديم عمل برلماني حقيقي، وسيكون التحدي الذي يواجهنا في هذا التفويض هو أن نتمتع بالمصداقية وأن نثبت أن الجبهة الوطنية ليست خطرا، بل فرصة”.

بالنسبة لتييري مارياني، أن يكون الحزب معارضة بناءة، كما تتمنى مارين لوبان، يعني معارضة النصوص الحكومية من خلال اقتراح “أشياء واقعية” كبدائل وتجنب “العوائق غير المجدية” عبر طرح آلاف التعديلات. وإن كان لم يذكر حركة “فرنسا الأبية” ولكن من الواضح أنه يستهدفها: سيكون على “التجمع الوطني” اعتماد خط مواجه لنهج “فرنسا الأبية”.

وبانتظار أن يرى مسؤوليه المنتخبين يعملون، يمكن للتجمع الجمهوري الاعتماد على الأغلبية الرئاسية التي يبدو أنها نسيت “الحاجز الصحي” الذي تم إنشاؤه سابقا بين الأحزاب الجمهورية واليمين المتطرف. خلال حملته للانتخابات التشريعية كانت استراتيجية “معا” هي تصوير “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” و”التجمع الوطني” كصنوين. ولكن لاحقا برزت تصريحات بعض ممثلي التيار الماكروني مثل الوزير إيريك دوبون-موريتي الذي قال إنه مستعد للعمل مع نواب “التجمع الوطني”، أو حتى تأكيدات المسؤولين المنتخبين من حزب “النهضة” الرئاسي مثل إيريك وورت الذين يفضلون رؤية رئاسة اللجنة المالية في أيدي الجبهة الوطنية بدلا من فرنسا الأبية. يظهر هذا أن العديد من الحواجز قد زالت في الأسابيع الأخيرة، ما يدل على أن الحزب الذي أنشأه جان ماري لوبان والد مارين يغير وضعه بالفعل.

 

النص الفرنسي رومان بروني

اقتباس فؤاد حسن


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى