آخر الأخبارأخبار محلية

“شكراً.. أخي انتحر”!

“أخي وضعه النفسي سيء جدا، يحتاج لعلاج نفسي ولكن التكلفة مرتفعة لا أتحملها.. حاول الانتحار مراراً، أرجوكم احتاج لمساعدة”، هي رسالة بعثتها شابة لإحدى المبادرات التي تُعنى بالصحة النفسية، بعدما لاحظت على شقيقها تدهور حالته النفسية، وتعرضه للاكتئاب الشديد. تلقت المبادرة الرسالة ورحبت بالمساعدة بعد الاعتذار عن التأخير، فجاء الرد من الفتاة: “شكرا .انتحر”. 

 
هي مأساة شهدتها احدى البلدات اللبنانية، بعد انتحار شاب في مقتبل عمر الورود، قرر انهاء حياته لأنّ “الموت أرحم”. ورسالة الشابة كانت حديث مواقع التواصل الاجتماعي خلال نهاية الأسبوع المنصرم، بعدما نشرها أحد الناشطين في مبادرة “نحنا حدك”، وشكلت صدمة لكل من قرأها لاحساس كُثر بشعور مشابه من الاستسلام للواقع المر، ولكنها استطاعت ايضاً ان تخلق وعياً لتوجيه الناس الى سبل المساعدة ومشاركة المعاناة ووضع الصحة النفسية في أولوية الاعتبارات، وهو ما كان واضحاً من ردود أفعال المتابعين الذين أكدوا أهمية أنّ يكون العلاج النفسي متاحاً للجميع وليس ترفاً لاصحاب الأموال.  
 
فما الذي حصل؟. يشرح حسين حمية مطلق مبادرة “نحنا حدك” والتي تضم أكثر من 100 من المعالجين النفسانيين ممن حصلوا على إذن مزاولة المهنة لتقديم الخدمات النفسية، في حديث لـ“لبنان24” ما حدث، مؤكداً انّ شقيقة الفتاة حاولت التواصل مع أكثر من جمعية تُعنى بالشأن النفسي، ولكن “يبدو أنّها لم توفق في التوصل الى علاج فوري او خدمة فورية لشقيقها، وعندما حاولت التواصل معنا أرسلت رسالة عبر “انستغرام” وليس عبر الخط الساخن للمبادرة او أقله على “الواتساب” او “الفيسبوك”. “كلنا نتحمل المسؤولية حتماً، ولكن هذه الحادثة شكلت صدمة من المفترض ان تضع الجميع تحت المسؤولية”، يتابع حمية معددا مجموعة من الأسباب التي أدت الى خلل على مستوى الحصول على الخدمات الصحية النفسية للجميع، وأولها “ترف العلاج النفسي”. يقول: “للأسف هناك قلة وعي لدى البعض لأهمية الصحة النفسية وخصوصاً في حالات الاكتئاب الشديدة، ولكن هؤلاء الذين يدركون أهمية العلاج النفسي قد لا يتحملون أعباء هذا العلاج، من فحصية الطبيب او المعالج الى الجلسات الكثيرة وصولاً الى الدواء الذي لم يعد متوفراً للجميع، وإن توفر فبأسعار مرتفعة جدا”. 
 
العلاج النفسي للأغنياء  

قد تكون اذن التعرفة المرتفعة لتكلفة العلاج النفسي في بعض الأحيان، عائقاً امام المرضى النفسيين او اقله ممن يعانون من اضطرابات نفسية او سلوكية، حتى صرنا امام حالة وكأنّ العلاج النفسي اصبح للأثرياء فقط، حاله كحاله الكثير من الخدمات في البلد، فأي مريض قادر على دفع كلفة للجلسة الواحدة احياناً ما بين 200 الى 400 الف ليرة. ينتقد حمية كما كثيرون ارتفاع فاتورة الاستشفاء الطبية للأطباء والمعالجين النفسيين، “رسالتنا يجب ان تكون أولا رسالة إنسانية تشبه الواقع الذي نعيش فيه، وخصوصاً مع وجود هوة كبيرة بين من يحتاج الخدمة النفسية ومن يطلبها”. 
ويتابع: “يُضاف الى جملة الأسباب التي أدت الى الواقع النفسي المتردي من ناحية العلاج، قلة الوعي لدى المواطنين لاهمية الصحة النفسية، وهو ما يحتاج الى تضافر الجهود من قبل الوزارات المعنية والنقابة والجمعيات وايضاً الجامعات للتوصل الى مجتمع نفسي سليم. لا أن يكون ما يفعله هؤلاء مجرد استعراض وندوات لا تقدم ولا تؤخر”. 
 
توجيه وتنظيم  

تعيد هذه الواقعة الحزينة بنا الى حالات لا تُعد ولا تُحصى لاشخاص وضعوا حدا لحياتهم عن طريق الانتحار، كحادثة الشاب الاربعيني شربل خ. من بلدة حوش الامراء في زحلة، الذي صدم الجميع قبل أيام بفيديو وثق فيه عملية انتحاره. وقبله الشاب عامر ياغي الذي رمى بنفسه من سطح مبنى مؤلف من سبع طبقات في صور، تاركاً رسالة إلى والده يقول فيها “سامحني يا بيي بس أني بدي ارتاح… الموت مرة أحسن من الموت كل العمر”، وغيرها من الحوادث.  

من جهتها تضع المعالجة والمحللة النفسية ماري انج نهرا، الاصبع على الجرح، شارحة في حديث لـ“لبنان24” الى أنّ ما يعاني منه كُثر من ناحية المرض النفسي أكبر بكثير مما يتخيل البعض، “فالمجتمع يعاني من اضطرابات سياسية وامنية واجتماعية، وعدم استقرار امني وكذلك هناك تهديدات من الخارح، واكثر من ذلك، وهو ما يؤدي الى تدهور الحالة النفسية لدى الناس وفقدان المعنويات التي تدفع الى الامل والتمسك بالحياة”. وتتابع نهرا: “بسبب هذه العوامل، مترافقة مع هؤلاء الذين يعانون اصلاً من نقاط ضعف، وغياب “السند” بكل اشكاله، وفي ظل انعدام الامن الصحي ايضاً، حيث لا ضمان ولا تأمين لدى البعض، فيجدون انفسهم في مهب الريح، حتماً هنا سيصاب هؤلاء بمشاكل نفسية تؤدي بهم غالباً الى الانتحار او اقله التفكير في الانتحار”. 

وإذ لا تضع نهرا باللوم بشكل مباشر على التكلفة الاستشفائية، معللة ذلك كما في كل القطاعات الطبية، “هناك أسعار مرتفعة وهناك مستوصفات ومراكز صحية، وكل بحسب قدرته”، تؤكد انّ المشكلة الأساس في سوء التوجيه والتنظيم، وتتابع: “يجب ان يتم توجيه الطبقة غير الميسورة كما في حالة شقيقة ذلك الشاب الذي انتحر الى العيادات غير المكلفة والجمعيات والمراكز، وطبعا هناك مسؤولية مجتمعة على كل من الوزارات المعنية والجمعيات والمجتمع المدني للقيام بتلك المهمة كي لا تتكرر المأساة”. 
وتذهب نهرا ابعد من ذلك: “للأسف لا يوجد رقابة كما لا يوجد وعي كافٍ بأهمية الصحية النفسية. والمشكلة ايضاً في مستوى التعليم وتخريج اشخاص غير كفوئين بالضرورة للقيام بمهام المساعدة النفسية، والأخطر من ذلك هو وجود اشخاص غير مناسبين في أماكن قمة في المسؤولية”. 
 
بالأرقام  

حتماً، ليست الأرقام المسجلة سواء لدى قوى الامن الداخلي او الجمعيات المعنية، المؤشر الوحيد على واقع المجتمع وصحته النفسية، والمؤكد انّ ثمة حالات كثيرة لا تُسجل انتحاراً، لاعتبارات اجتماعية ودينية. بحسب جمعية ” Embrace”، التي تتلقى الاتصالات على “خط الحياة” بالشراكة مع وزارة الصحة، فقد بلغ معدل الاتصالات اليومية في العام 2020 حوالي 25 اتصالاً، بشكل ارتفع فيه عدد الاتصالات على خط الدعم النفسي والوقاية من الانتحار من 2000 اتصال الى حوالي 7500 اتصال خلال عام. وخلال العام الماضي وفي شهر واحد ارتفع عدد الاتصالات من 700 الى اكثر من 1000. وتفيد احدى الناشطات العاملات في الجمعية لـ“لبنان24” بأنّه لا يمر يوماً الا وتتلقى فيه الجمعية اتصالاً، وإذ لا ارقام نهائية بعد للعام 2022، ولكن في العام 2021 كان “خط الحياة” يتلقى ما بين 300 الى 500 اتصال شهري قبل 3 أعوام، امّا اليوم فيتلقى أكثر من 1000 اتصال شهري. فما بالكم بالعام 2022. 
وتكون آلية المساعدة من خلال متابعة الحالة بحسب ما تستدعي من خلال تحويلهم الى اخصائيين اجتماعيين او عيادات نفسية خاصة. 
 
امّا اللافت في موضوع الأرقام، فبحسب جدول نشرته المؤسسة الدولية للمعلومات استناداً الى ارقام قوى الامن الداخلي، فإنّ حالات الانتحار تراجعت خلال الأشهر الـ5 الأولى من العام الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2021، بنسبة 7.7%، فيما انخفضت هذه النسبة مقارنة بين شهر أيار 2021- 2022 الى 38.5%”.. يؤكد مطلعون انّ هذه الأرقام حكماً هي اقل بكثير من الواقع، فغالباً لا يرغب بعض الأهالي بالإعلان عن سبب الوفاة، فـ”عيب” أنّ نقول “ابني مات منتحرا”.  

 

 

 

 

 

 

 

 

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى