آخر الأخبارأخبار دولية

وثائق تكشف علم ديغول بقتل عشرات الجزائريين لكنه أبقى المسؤولين عنها في مناصبهم


نشرت في: 08/06/2022 – 20:40

كشف موقع “ميديابارت” الفرنسي، بالاستناد إلى وثائق حكومية من الأرشيف رفعت عنها السرية، أن مجزرة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961 التي ذهب ضحيتها عشرات الجزائريين في باريس، أبلغ بها رئيس البلاد وقتها شارل ديغول، وأنه عبر عن سخطه إزاء ما حصل، وطلب تسليط المزيد من الضوء على هذه الأحداث الدامية، لكن احتفظ كل من المحافظ موريس بابون والوزراء المسؤولون بشكل مباشر عليها بمناصبهم.

لا تزال أحداث 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961 الدامية بحق متظاهرين جزائريين خرجوا سلميا للتنديد بحظر التجول المفروض عليهم من دون غيرهم، في العاصمة باريس وضواحيها من الثامنة والنصف مساء إلى الخامسة والنصف صباحا بأمر من محافظ الشرطة موريس بابون، تثير اهتمام الإعلام في فرنسا.

ويعتبر هذا اليوم صفحة سوداء في التاريخ الفرنسي الحديث، باعتباره جسد “القمع الأكثر عنفا الذي مارسته دولة معاصرة على احتجاجات الشارع في تاريخ أوروبا الغربية”، حسب وصف المؤرخين البريطانيين جيم هاوس ونيل ماكمستر.  

ومرور ستين عاما، على ما وصفه مكتب المدعي العام في باريس في 12 فبراير/شباط عام 1999 بالمجزرة، لا يثني الكثير ممن شاركوا في هذه المظاهرة وشهود العيان وعائلات الضحايا والمنظمات والمؤرخون عن المطالبة باعتراف رسمي بارتكاب “جريمة عنصرية” أو “جريمة دولة”. 

وحصلت هذه المجزرة في وقت كانت تقترب فيه حرب الجزائر من نهايتها، حيث تم قمع مظاهرة بعنف كبير في باريس، شارك فيها بين 20 و30 ألف جزائري من الأحياء الفقيرة والبلدات الصناعية في الضواحي ومن أحياء مختلفة أيضا من العاصمة. وتدفقت أعداد منهم سواء بالقطارات أو عبر مترو الأنفاق أو حتى مشيا على الأقدام على قلب العاصمة، لكن قوات الأمن كانت قد أغلقت مداخل المدينة ونشرت نحو 1600 من رجال الشرطة وقوات مكافحة الشغب.

ولم يتجاوز عدد الضحايا ثلاثة قتلى بالنسبة للحصيلة الرسمية، والتي ظلت تردد لسنوات عديدة، لكن اليوم تبين أنها كانت أكبر من ذلك بكثير، حيث قتل 48 شخصا فقط في تلك الليلة، فيما يتحدث مؤرخون عن سقوط أكثر من مئة قتيل. فيما تقدر الجزائر الضحايا من 300 إلى 400 قتيل، ألقي بجثث العشرات منهم في نهر السين، فضلا عن المفقودين.

ماذا كان يعرف ديغول عن هذه الأحداث الدموية؟ 

ونشر موقع “ميديابارت” الفرنسي، المعروف بتحقيقاته التي أطاحت بعدة مسؤولين حكوميين، وثائق حكومية رفعت عنها السرية، تسلط الضوء أكثر على جانب مهم في هذه الأحداث الدموية، وخاصة ما له ارتباط برئيس البلاد وقتها شارل ديغول. 

“بفضل الفتح الأخير، وإن كان جزئيا، لأرشيف حرب الجزائر، تمكنا من الوصول إلى عدد معين من الوثائق تعود لرئاسة ديغول، تظهر أن رئيس الدولة عرف كل شيء، وبسرعة كبيرة، حول الجريمة، أي مشاركة الشرطة في ما يمكن تسميته بجريمة دولة وحجم المأساة”، يوضح صحافي “ميديابارت” فابريس أرفي، الذي حل ضيفا على قناة فرانس24.

وثائقي ويب: 17 أكتوبر 1961… مجزرة ضد الجزائريين في قلب باريس

وعثر “ميديابارت” في هذه الوثائق على مذكرة مؤرخة بـ28 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، كتبها مستشار الجنرال ديغول للشؤون الجزائرية برنارد تريكو. يخبر فيها رئيس الجمهورية أنه “قد يكون هناك 54 قتيلا”. ويوضح المسؤول الكبير: “بعضهم قد يكون تعرض للغرق، والبعض الآخر خنق، وآخرون قتلوا بالرصاص. وقد تم فتح التحقيقات القضائية. ومن المحتمل، للأسف، أن تؤدي هذه التحقيقات إلى توجيه اتهامات إلى بعض موظفي الشرطة”.

وفي مذكرة ثانية بتاريخ 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 1961، لفت برنارد تريكو انتباه شارل ديغول لـ”مسألة تتعلق بالنظام الحكومي”: “لمعرفة ما إذا كنا سنقتصر على ترك الأمور تواصل مسارها، وفي هذه الحالة من المحتمل أن تتعثر، أو إذا كان على وزير العدل [برنار شونو] وكذلك وزير الداخلية [روجي افراي] إبلاغ القضاة وضباط الشرطة القضائية المختصة بأن الحكومة تريد تسليط الضوء” على ما حصل. وتابع مستشار الجنرال ديغول: “يبدو من المهم جدا أن تتخذ الحكومة موقفا في هذه القضية، مع البحث قدر الإمكان عن تجنب الفضيحة”.

“الجريمة ستبقى إلى الأبد بلا عقاب”

المذكرة التي تم العثور عليها في الأرشيف الوطني الفرنسي بعد رفع السرية عنها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تحمل إجابة مكتوبة بخط يد الجنرال ديغول: “يجب إلقاء الضوء على ما حصل ومحاكمة الجناة” و”يجب على وزير الداخلية أن يمارس سلطته على الشرطة وهو ما لم يفعله”.

بالنسبة لصحافي “ميديابارت”، فإن هذه المذكرة “تظهر أن رئيس الجمهورية وقتها طلب محاكمة الجناة وتسليط الضوء” على هذه الأحداث الدامية، متوجها لوزير الداخلية، الذي “لم يُظهر سلطة كافية في مواجهة تجاوزات الشرطة، حسب الجنرال ديغول”.

ويستدرك أرفي: “لكن لم يحدث أي شيء والجريمة ستبقى بلا عقاب إلى الأبد”. لم تتخذ أي إجراءات ضد رجال الشرطة. وتم الاحتفاظ بوزيري الداخلية والعدل في منصبيهما كما هو شأن المحافظ موريس بابون أيضا، الذي نفى باستمرار ممارسة أي عنف من جانب الشرطة. وأدين في 1998 بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، لكن لدوره في ترحيل اليهود بين عامي 1942 و1944.

الجناة ظلوا أحرارا رغم دعوة ديغول لمحاسبتهم. ولتفسير هذه النقطة، يعتبر أرفي، وفقا لقراءة مؤرخين، أن الرئيس “كان في الواقع ضعيفا سياسيا نسبيا ضمن أغلبيته، ولا سيما أمام رئيس الوزراء ميشال ديبري، حيث كان يدين له بالكثير على عودته إلى السياسة عام 1958 والذي جسد موقفا متشددا للغاية بشأن القضية الجزائرية”.

الاعتراف بـ”جريمة الدولة”

بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين للمجزرة، اعترفت الرئاسة الفرنسية في أكتوبر 2021 لأول مرة بأنه “تم اعتقال ما يقرب من 12 ألف جزائري ونقلهم إلى محتشدات بملعب كوبرتان … وفي قصر الرياضة وأماكن أخرى. وبالإضافة إلى العديد من المصابين، قتل العشرات، وألقيت جثثهم في نهر السين “. وندد إيمانويل ماكرون، في بيان صحفي، بارتكاب “جرائم لا تغتفر” “تحت سلطة موريس بابون”.

لكن شهود عيان على هذه المأساة وعائلات الضحايا والجمعيات وحتى المؤرخين يطالبون بالاعتراف بـ “جريمة عنصرية” و”جريمة دولة”. فبالنسبة لجميلة عمران التي كانت حاضرة في أحداث يوم 17 أكتوبر 1961 الأسود، “على فرنسا أن تعترف بوقوع مجزرة بحق أشخاص كانوا يتظاهرون سلميا”، خاصة وأن “ذلك لم يحدث في الجزائر العاصمة بل في باريس”.

ولا تخفي هذه الجدة، البالغة من العمر 87 عاما، ترحيبها بتسليط الضوء على هذه الفترة المظلمة وبما تم الكشف عنه عبر وثائق حكومية رفعت عنها السرية: “في العام الماضي، ولأول مرة، ذهب الرئيس إلى ضفة نهر السين لإحياء الذكرى السنوية –للمجزرة-. لقد بدأ يُعرف أن هؤلاء الأشخاص قتلوا وأن آخرين لا نعرف مصيرهم. هذا لا يمكن نسيانه”. 

النص بالفرنسية لستيفاني ترويار مع وكالة الأنباء الفرنسية

نقله إلى العربية بتصرف: بوعلام غبشي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى