آخر الأخبارأخبار محلية

إسرائيل تُبدل خطابها.. هل سينفجر الوضع في لبنان فعلاً؟


وسطَ ازدياد منسوب التوتر والترقب بشأن ملف الحدود البحرية وحقل كاريش المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل،  خرجت تل أبيب، يوم أمس الثلاثاء، برسالة تصعيدية جديدة ضد لبنان، عنوانها “التهديد بتدمير البنى التحتية في القرى اللبنانية التي سيستخدمها حزب الله لتنفيذ أي هجمات ضد العمق الإسرائيلي”.  

في التوقيت، يأتي التهديد الذي أطلقته تل أبيب في وقتٍ يستعدّ فيه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لزيارة لبنان خلال الأسبوع المقبل، من أجل تحريك ملف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، أملاً بالوصول إلى صيغة تنهي الجدل القائم بشأن حقل كاريش، وبالتالي انتفاء حصول أي معركة عسكرية قد تؤدي إلى توتير أجواء المنطقة.  
مع هذا، فإن التهديد الإسرائيلي الجديد يأتي بعد “مُهادنة” في المواقف اعتمدتها إسرائيل خلال الساعات الماضية، إذ ألمحت في وقت سابق الى أن الخلاف مع لبنان يمكن تسويته من خلال وساطة هوكشتاين، في حين أكدت تل أبيب أيضاً أن الحفارة الخاصة للتنقيب عن الغاز “إنرجيان” لم تدخل أي حق متنازع عليه.  

في الشكل، فإن ما يبدو هو أن الخطاب الإسرائيلي بات يأخذ منحى تصاعدياً، لكن من ناحية المضون، فإن المراقبين يرونه “بديهياً” في ظلّ وجود بوادر لمعركة قد تندلع في أي لحظة. فمن جهة “حزب الله”، فقد بدا واضحاً أن أي ردّ بشأن الملف يرتبطُ بموقف الدولة اللبنانية النهائي، وهو أمرٌ قد يتبلور عقب زيارة هوكشتاين. وفي ظلّ كل ذلك، تتجهُ الأنظار يوم غدٍ الخميس إلى كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي سيحسمُ الموقف النهائي للحزب، في حين أنه من المؤكد أن الخطاب سيتضمن رسائل واضحة لإسرائيل أساسها عدم سكوت الحزب عن أي اعتداء يطال ثروات لبنان. أما الأمر المتوقع فهو أن نصرالله قد يؤكد علناً أنه على الدولة اللبنانية الاستعجال بإصدار قرار بشأن الخط 29، في حين أن نصرالله قد يُلمح أيضاً إلى طرح “مهلة” للإسرائيليين بإعادة الحسابات المرتبطة بأي عملية تنقيب في حقول متنازع عليها، وذلك على قاعدة “وقد أعذر من أنذر”. 

وبشأن التهديد الإسرائيلي، فإن مضمونه لا يعتبرُ جديداً، فهو يدخلُ في سياق الحرب النفسية التي يخوضها العدو باستمرار ضدّ لبنان. إضافة إلى ذلك، فإنّ إسرائيل ترى نفسها دائماً أمام ضرورة إطلاق تهديدات علنية في محاولة منها لتحريك الرأي العام العالمي والتدخل لتسوية الأمور قبل فوات الأوان على قاعدة أن التهديدات قد تتحول إلى حقيقة.
تُدرك الحكومة الإسرائيلية تماماً أن أي مغامرة مع لبنان ستكلفها الكثير عسكرياً وشعبياً، ولهذا فإن الرهان اليوم هو بالتزام السفينة التي استقدمتها إسرائيل التنقيب عن الغاز في نقطة غير متنازع عليها، وبالتالي تجنيب بيروت مغبة حصول معركة قد تتحول إلى حرب مفتوحة. 
مع هذا، فإن ما يمكن أن يساهم في تجنب إسرائيل أي دخول لمناطق خلافية هو خشيتها من استهداف حفارات التنقيب عن الغاز، خصوصاً أن تلك تعود لدول أجنبية، ما يعني أن أي استهداف لها ستنجم عنه خسائر جمّة وصدامات بين دول. ولهذا، فإن مجازفة الشركات التي تتعاون معها إسرائيل في التنقيب، “ليست واردة”، ما يعني أنّ أي دخول لسفينة التنقيب لن يكون على حقل متنازع عليه في الوقت الحاضر، وذلك لضمان سلامة طاقم السفينة واستمرارية عملها. كل ذلك سيؤدي حُكماً إلى تجنب صدامات ومواجهات، ما يعني انكفاء لبنان واسرائيل عن التصعيد، والانطلاق مجدداً نحو مفاوضات ستأخذ بعين الاعتبار الخط 29 أو أي خط آخر ضمن خطة الترسيم.  
استراتيجية دفاعية جديدة؟ 
وفي ظل كل ذلك، فإن من يُراقب أداء “حزب الله” الأخير بشأن ملف الحدود البحرية، سيستنتجُ أمراً بالغة الأهميّة عنوانه “الرّكون إلى الدولة وعدم تخطّيها”. في الواقع، هذه هي المرّة الأولى التي ينتظر الحزبُ فيه قرار الدولة اللبنانية بشأن أمرٍ مصيري يعتبرُ العدو الإسرائيلي فيه طرفاً أساسياً. فعادة كان الحزبُ يُراهن على ما لديه من معطيات ويتحرّك بناء لتوجهاته، إما لإسداء ضربة موضعية أو اختيار قرار الحرب والسّلم لخوض معركة طويلة، وهو أمرٌ كان مدار جدلٍ عميق طوال السنوات الماضية. 
اليوم، يبدو واضحاً أن الحزبَ قرّر إضفاء تغييرات على مساره، فـ”التروّي” والانتظار كبير، وتقول أوساطه إن التعاطي مع ملف الحدود البحرية ليس بمثابة انتحارٍ، كما أنه لا يحتملُ الإنفعال والمُجازفة. مع هذا الكلام، فإن اللافت في الأمر هو أنّ الحزب يؤكد مراراً أنه “تحت سقف الدولة”.. فعلاً، العبارة هذه تكررت مؤخراً بشكل كامل على لسان مختلف قادة الحزب، ما يوحي بأن استراتيجيته باتت تتغير، وهو أمرٌ يكشف عن خلفيات عديدة يمكن أن تمهدّ لتبدلات قادمة. 
ومع المشهدية القائمة، يظهر تماماً أن هناك إستراتيجية دفاعية جديدة تلوحُ في الأفق، وما يتبين من خلال مواقف قادة “حزب الله” والمقربين منه، هو أن أي خطوة تصعيدية بشأن ملف يحتمل “التروي والدراسة”، باتت مستبعدة. وهنا، ما يظهر أن ملف الحدود البحرية أرسى استراتيجية دفاعية أساسها: الدولة – الجيش – الشعب والمقاومة. ففي حال نجحت الدولة مع الجيش في ضمان حقوق لبنان من دون أيّ نزاع مسلح، عندها ستكون المساعي في حفظ حقوق لبنان من اعتداءات إسرائيل قد نجحت بعيداً عن أي صدام مُسلح وهذا أمرٌ يعد انتصاراً كبيراً، لكن هذا الأمر لا يُغيّب تأثير الشعب والمقاومة عليه، والمقصود هنا توازن الرعب الذي أرسته الأخيرة على المشهد ولولاه لا يكون أي انتصار، بحسب ما ترى المصادر المقربة من “حزب الله”.  
أما في حال حصل اعتداء برّي أو جوي على لبنان، فإن المسألة ستختلف تماماً، وعندها سيرى “حزب الله” نفسه مسؤولاً عن الرّد والمبادرة كون لبنان سيكون “المعتدى عليه”. وفي تلك اللحظات، ستسقط كل الاستراتيجيات الدفاعية، وعندها سيكون المنطق السائد هو “مقاومة الاحتلال” من كل الأطراف.  
في خلاصة القول، يسعى الحزب اليوم لعدم إدانة نفسه من خلال تنفيذ اعتداء.. ففي العام 2006، وصف بأنه هو الذي اعتدى، أما اليوم، فهو يسعى لأن يوثق كل الخطوات والتأكيد عبر الدولة بأن لبنان اعتديَ عليه حتى تكون حُجج الدفاع موجودة وقائمة، وعندها لكلّ حادث حديث. 

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى