أخبار محلية

الحريري خارج المعادلة… معركة الحكومة بعد البرلمان: الثلث المعطل أو الفراغ!


كل الاجواء السياسية تشير إلى أن استحقاق انتخاب رئيس لمجلس النواب ونائبه سيمر من دون إشكالات سياسية كبرى، وإن كان انتخاب نبيه بري هذه المرة رئيساً ليس بأكثرية ساحقة وفق ما أنتجته التسويات في البرلمانات السابقة بصرف النظرعن لون الاكثريات من 2005 إلى 2018.

هذه المرة لا يوجد أكثرية نيابية وهذا الامر يشير وحده إلى التحولات التي أحدثتها انتخابات 2022، لكنها لا تعني بالضرورة أن لبنان يسير نحو تغيير سياسي معاكس لما أنتجه اتفاق الدوحة 2008 وما كرسه من ثلث معطل، ولا السير نحو تطبيق اتفاق الطائف وفق التوازنات الجديدة. فالتأزم مستمر حتى لو أُنجزت المرحلة الاولى من الاستحقاقات، لتفتح المعركة على اسم رئيس الحكومة المقبل وتشكيلها، مع احتمالات انفجارات سياسية وأمنية واجتماعية، على ما نشهده من صراعات بين القوى السياسية والطائفية وترهل المؤسسات والتفلت الأمني والفوضى.

توازنات مجلس النواب الجديدة، لا يبدو أنها ستغير كثيراً من الممارسات السياسية في البلد، ولن تحدث انقلاباً في عملية تشكيل الحكومات وانهاء مفاعيل اتفاق الدوحة، وفق مصدر سياسي متابع، فالبلد ذاهب إلى انسدادات سياسية خطيرة عند بدء معركة تشكيل الحكومة والصراع على توازناتها، فيما “حزب الله” يستنفر قوته في المعركة الإقليمية ويعود لإدخال لبنان في دائرة الصراع والمعارك، في ظل التأزم الإقليمي والدولي، ما يعني أنه يعوّض فقدان الأكثرية النيابية بالتصعيد الاقليمي لإعادة الهيمنة والامساك بالقرار من التأثير الإقليمي خصوصاً وأن التوازنات اختلت سياسياً ونيابياً بعد التراجع الذي أصاب محور الممانعة.

الاستحقاق الأهم بعد انتخاب رئيس المجلس ونائبه وأعضاء هيئة مكتبه، هو تشكيل الحكومة. في هذا الاستحقاق المفصلي أمام الاخطار الداهمة، لا يظهر أي معطى يشير الى الاتفاق بين الأقليات النيابية على المرحلة المقبلة، وعلى معالجة جدية للتأزم السياسي والمالي والاقتصادي. الأجواء تشير إلى أن القوى السياسية والطائفية التي عادت إلى مجلس النواب بلا أكثرية، ستستمر بالنهج ذاته الذي على أساسه تتشكل الحكومة، فعودة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي أمامها تعقيدات كبرى، ليس لأن لا غطاء دولياً أو قوة دعم إقليمية لإعادة تسميته، بل لأن الشروط الداخلية والصراع القائم والتوازنات الجديدة لن تعطي ميقاتي الأكثرية، خصوصاً الشروط التي يضعها رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني جبران باسيل، اللذان يريدان حكومة تناسب تطلعاتهما وبمعايير محددة وأكثرية راجحة بثلث معطل قبل استحقاق انتخابات الرئاسة، فضلاً عن الخلاف الذي نشأ أخيراً وتغريد ميقاتي خارج سرب العهد برفضه طلبات معينة أبرزها وفق المصدر السياسي إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ويشير المصدر أيضاً إلى أن عودة سعد الحريري غير مطروحة، أولاً لعدم تأثيره السياسي المباشر بعد انسحابه السياسي، وخلافه مع العهد و”حزب الله” وكذلك مع أطراف المقلب الآخر، والاهم غياب التغطية العربية والإقليمية والدولية لعودته.

ليس من مؤشرات على وجود ضغط إقليمي ودولي لعقد تسويات للحل اللبناني تُعجل في تشكيل الحكومة وصولاً إلى تمرير استحقاق الرئاسة المقبل، ويتوقع المصدر السياسي أنه مع التطورات الإقليمية والدولية على لبنان، سيبقى البلد في حالة التعطيل ويسير على وقع الفراغ إلى تعطّل عمل مجلس النواب وعدم قدرته على تمرير مشاريع القوانين المطلوبة، فيما لا يزال “حزب الله” في موقع القوة بتأثيراته الإقليمية وسلاحه، ولهذا كان موقف وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أخيراً واضحاً بقوله “إن حل مسألة “حزب الله” بيد اللبنانيين الذين عليهم أن يساعدوا أنفسهم”، فيما المفاوضات الإيرانية – السعودية لم تتقدم على الرغم من إشارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن قرب عقد لقاء بينه وبين وزير الخارجية السعودي. ولا يبدو أن الامور سهلة على هذا الصعيد، إذ أن تراجع آمال التوصل إلى إحياء الاتفاق النووي يعقد في الاساس أي تفاهم سعودي – إيراني أو يغير من السياسة الإيرانية في المنطقة خصوصاً في لبنان والعراق وسوريا، فيما التطورات مفتوحة على التصعيد بين إسرائيل وإيران ما يعرض لبنان لأخطار إضافية كجبهة مواجهة أولى في أي حرب.

ويبدو وفق المصدر السياسي أن التعطيل سيأخذ مسارات مختلفة، لتحسين الشروط أمام اي استحقاقات أو توجهات للحل في لبنان، فبقدر ما أن “حزب الله” يسعى للتعويض عن فقدانه الاكثرية ياستحضار قوته الإقليمية، فإن التيار الوطني يحاول تعويض تقلص كتلته النيابية من 29 نائباً في 2018 إلى 22 مع حلفائه، بفرض شروط هائلة على تشكيل الحكومة تحضيراً لاستحقاق انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني المقبل أو البقاء في بعبدا، فيما “القوات اللبنانية” لا تستطيع حتى بكتلتها المسيحية أن تغير من الوقائع لغياب قدرتها على التحالفات والتأثير على مسارات الامور، فتحولت هي أيضاً أقلية نيابية.

الانتخابات النيابية الاخيرة بقدر ما أحدثت تحولات في المشهد السياسي اللبناني، إلا أنها بفعل الامر الواقع والقدرة على التعطيل، لم تحدث انقلاباً يُسقط مفاعيل الثلث المعطل الذي تكرس في الحكومات السابقة، ولا العودة الى تطبيق اتفاق الطائف، وإن كان اقتراع اللبنانيين قد اسقط رموز النظام السوري وطلب تمثيلهم في الحكومة. لذا يبقى البلد مفتوح على مزيد من الازمات بأشكال مختلفة، طالما لا وجود لتفاهمات إقليمية ودولية على صوغ تسوية تنظم التوازنات الجديدة، وهذا الانسداد يكرس الفراغ والتعطيل، بما يعني اسقاط نتائج الانتخابات ويؤدي إلى انفجار يستجلب تدخلاً إقليمياً ودولياً يعيد تشكيل النظام، لكن بلا حل نهائي طالما ان الداخل عاجز عن انتاج التسويات.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى