آخر الأخبارأخبار دولية

هل كشف صحافيون روس بالخطأ مواقع أسلحة جيشهم الفتاكة في أوكرانيا ضمن تقارير دعائية؟


نشرت في: 27/05/2022 – 16:58

تمكنت القوات الأوكرانية قبل أيام من تدمير أحد مدافع الهاون الأقوى لدى الجيش الروسي والتي يحوزها عدا عن باقي الجيوش في العالم. لكن المثير في الأمر، هو أن الهجوم تم بعد ساعات على بث تقرير دعائي روسي حول هذا المدفع الذي صور أثناء قصفه لمنطقة سفرودونتسك. تقارير روسية أخرى تناولت سفينة الإنزال “موسكفا” التي كانت في مارس/آذار راسية في ميناء بيرديانسك قرب ماريوبول الأوكرانية قبل تدميرها هي الأخرى بعد ذلك بساعات. يرى مراقبون وخبراء عسكريون، بأن الآلة الدعائية الروسية التي يبدو أنها قد فشلت في الحرب الأوكرانية، تتحمل جزءا كبيرا من تلك الخسائر التي تكبدها الروس في هذا النزاع.

قال خبراء في الشأن العسكري إن صحافيين روس ينضوي أحدهم علنا تحت لواء “لائحة بوتين” الآلة الدعائية للرئيس الروسي، يتحملون جزءا من المسؤولية بعد تدمير الجيش الأوكراني لأسلحة جيشهم الفتاكة المشاركة في الحرب، مشيرين إلى أن قوات كييف شنت هجمات دقيقة ساعات بعد بث وسائل الإعلام الروسية تقارير دعائية حول تلك الأسلحة، بينها سفينة الإنزال “موسكفا” ومدفعا لديه قوة تدمير عالية ودقيقة هو مصدر فخر للروس الذين يملكونه دون غيرهم من الجيوش.

ففيما كانت القوات الروسية تسعى إلى اختراق الخطوط الأوكرانية في دونباس وتطويق القوات المدافعة عن سفرودونتسك شرق البلاد، نشر المراسل الحربي الروسي ألكسندر كوتس “ساشا” في 20 مايو/أيار، تقريرا يصور الجنود الروس وهم يستخدمون أحد الأسلحة الفتاكة والنادرة، وهو عبارة عن مدفع هاون ذاتي الدفع 2s4 tyulpan  فائق الحجم من عيار 240 ملم مصمم لاختراق وتدمير التحصينات الثقيلة والمباني الكبيرة وتم نشره خلال الحرب الباردة ولا مثيل له عند الجيوش الغربية، كما لا تملك روسيا منه سوى 40 إلى 50 وحدة عاملة، حسبما أفاد موقع مجلة فوربس.

وغداة بث التقرير، أرسل الجيش الأوكراني طائرة بدون طيار لموقع المبنى حيث ظهر ألكسندر كوتس، وقد صورت المسيّرة استهداف قوات كييف لهذا السلاح الروسي وتدميره بالكامل، حسبما أظهرته فيديوهات نشرت على حسابات أوكرانية في تويتر منها حساب مستشار وزير الداخلية، وتداولتها وسائل الإعلام الدولية.


حادث آخر يمكن ربطه أيضا بنشر تقارير دعائية روسية ترجع إلى مارس/آذار، أظهرت سفينة الإنزال الروسية “موسكفا” راسية في ميناء بيرديانسك قرب ماريوبول، نشرها المراسل مراد غازدييف على حسابه في تيلغرام، وظهرت أيضا في تقرير آخر للتلفزيون العسكري الروسي. تلاها تدمير السفينة في غضون الأربع والعشرين ساعة التالية في هجوم تبناه الأوكرانيون، وسلط الضوء مجددا على مدى خطورة بث مثل تلك التقارير التي توضح بجلاء مواقع نشر العتاد والأسلحة الروسية في أوكرانيا.

فهل فعلا يمكن شن هجوم بناء على تقارير إخبارية؟ كيف تستغل الجيوش المواد الإعلامية؟ هل ستعاقب موسكو هؤلاء؟ وما مدى فشل الدعاية الروسية في الحرب الأوكرانية؟ أسئلة يجيبنا عليها كل من سيباستيان روبلن صحافي مجلة فوربس مختص في شؤون الدفاع والأمن والنزاعات الدولية، والخبير العسكري والاستراتيجي لواء أركان الحرب السابق د. محمد صالح الحربي، والخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي د. عامر السبايلة.

  • ​​​​هل يمكن فعلا شن هجوم عسكري بناء على تقارير إخبارية؟

بالنسبة إلى سيباستيان روبلن، لا يمكن الجزم بشكل قاطع بأن تدمير المدفع الروسي2s4 tyulpan  هو نتيجة مباشرة لنشر وسائل الإعلام الروسية تقارير ساهمت في كشف موقعه، حيث إن هناك طرقا أخرى تسمح بتحديد مكان تواجده مثل المراقبة العادية بطائرة بدون طيار أو باستخدام رادارات مضادة للبطاريات وما شابه. لكن محدثنا يستدرك: “رغم ذلك، عرض التقرير بالتأكيد صورا كافية للتعرف على البيئة المحيطة بموقع مدفع الهاون في منطقة روبيزني. الصور المعروضة لهذه المدفعية كانت قريبة لدرجة يحتمل أنها سمحت للجيش الأوكراني بتضييق نطاق البحث”.

لكن الصحافي المختص في شؤون الدفاع والأمن والنزاعات الدولية أشار إلى أن الأوكرانيين أعلنوا صراحة أنهم قد استغلوا ذلك التقرير الروسي لشن هجومهم، مستشهدا بتغريدة أنطوان غيراشينكو مستشار وزير الداخلية الأوكراني، الذي قال إن “استخبارات الجيش الأوكراني شاهدت فيديو ساشا كوتس حول قصف سفرودونتسك وحددت موقع قاذفة الهاون وقامت بإرسال طائرة بدون طيار عثرت عليها وتم قصفها ما أدى لنسفها بما فيها من ذخائر”.

 


بدوره، قال د. محمد صالح الحربي إن “هذه حرب غير تقليدية عمادها المعلومات والأقمار الاصطناعية وهي أيضا حرب المواقف السياسية والعسكرية المتناقضة. إن مهمات الاستخبارات في الحروب هي أصلا الاستقصاء والحصول على المعلومات من الأعداء ومحاولة تحسين الجبهات وفق سير المعركة. لاحظنا مع بداية الحرب وحتى ما قبلها بأن موقع ماسكار الأمريكي للأقمار الاصطناعية أظهر تحركات الجيش الروسي أولا بأول. وزارة الدفاع البريطانية تنشر بدورها الخرائط بشكل يومي، لكن الركيزة الأساسية هي دائما المعلومات على الأرض لكشف المواقع وتحركات الجيوش وهذا يتطلب حدوث اختراقات واختراقات مضادة”.

ويرى د. عامر السبايلة بأن “مثل هذه الأخطاء يمكن أن تحدث لكن هذا يعد تقصيرا كبيرا وخللا استراتيجيا وأمنيا بالنسبة للقوات الروسية. هناك أخطاء مشابهة تحدث عادة في الحروب بسبب استخدام الهاتف أو نظام تحديد المواقع والتصوير، ما يسمح بتحديد الأهداف ومهاجمتها. لكن قد تكون هذه الحوادث من المبررات التي ربما تستخدمها القوات الأوكرانية لإخفاء والتستر على من يتعاونون معها أو كونها حصلت على صور الأقمار الاصطناعية من حلفائها”.

  • هل وقعت حوادث مماثلة في أوكرانيا أو خلال نزاعات مسلحة أخرى؟

يقول سيباستيان روبلن: “مؤخرا، تعد هذه الحادثة الوحيدة التي لفتت نظري فورا بسبب سلسلة الأحداث التي كانت سريعة وموحية، فبعد أن بث التقرير عن إطلاق قذيفة الهاون من منشأة محددة في أوكرانيا، تلاها في اليوم التالي استهداف الموقع بضربة”.

ويرجح مصدرنا: “أن تكون هناك حوادث أخرى مماثلة لكن بدرجة أقل وضوحا. حيث إن مخاطر الأمن التشغيلي (السيبراني) OPSEC معروفة جيدا وهي تمتد إلى منصات التواصل الاجتماعي. في العراق عام 2007، تم استخدام الصور لتحديد موقع تواجد طائرات هليكوبتر هجومية أمريكية من طراز أباتشي في قاعدة عسكرية، تم نشرها على فيس بوك ما سمح باستهدافها عبر ضربة بقذائف الهاون دمرت أربع طائرات على الأرض”.

  • كيف يمكن استغلال وتكييف المواد الإخبارية في الحروب؟

يرى سيباستيان روبلن أنه وفي حال ما “أظهر تقرير إعلامي حول القوات الميدانية سمات جغرافية محددة، من ذلك: ملامح الجبال في الخلفية، الإشارات في الشوارع أو الطرقات، المباني أو حتى حقل زراعي، فبالإمكان استغلال ذلك لتحديد موقع تلك الوحدة العسكرية. يمكن أيضا استغلال معلومات أخرى مثل شارة الوحدة وأسماء الجنود لتحديد مكان تواجدها”. يضيف محدثنا: “غالبا ما يتم استخدام هذه التقنيات من المدنيين الذين يجمعون معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر أو OSINT مثل موقع Bellingcat لتحليل نزاع أو تحديد مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان وما شابه. في حال فعل المدنيون ذلك وباتوا مصدرا للمعلومات (عن قصد أو لا) يمكن أن يهدد ذلك عملية عسكرية معينة. تدقق الاستخبارات العسكرية أيضا في الصور الإعلامية بما في ذلك ما ينشر على المنصات، لتقفي أثر المعلومات التي يمكن الاستفادة منها”.

في نفس الموضوع، يرى د. الحربي أن “عمل نقل وتحليل المعلومات في القرن الواحد والعشرين أصبح مغايرا للحروب السابقة، نظرا لسرعة الاتصال، النت، أجهزة كشف المواقع جي-بي-أس، أنظمة الأقمار الاصطناعية والاتصالات، والصور التي باتت متاحة بشكل كبير. كما أصبحت غرف العمليات لإدارة المعركة مدمجة وهي تجمع كل من نظم القيادة والسيطرة والتحكم والاستخبارات، وتنبثق عنها غرف فرعية كثيرة لتحليل وتنظيم وتقييم وتقدير الموقف. ويستغل كل جيش زخم المعلومات سواء كانت إعلامية أو استخباراتية أمنية أو حتى عبر الأفراد، من خلال فرق التحري والاستطلاع والاستكشاف. هناك أيضا ضمن هذه الاستخبارات محاولات الحفاظ على سرية المعلومات والاختراقات وتتبع الجواسيس. هي حرب معلومات زخمها اليوم أصبح يركز خاصة على السرعة والوضوح. هناك أيضا تسريب للمعلومات الخاطئة لإيهام العدو بالتحركات في الجبهات”.

  • هل ستعاقب موسكو الفريق المشارك في نشر تلك التقارير؟

يستبعد سيباستيان روبلن، أن تتم معاقبة الصحافيين المتورطين في مثل هذه الحوادث، رغم أنه يعترف أنها مبعث “إذلال” بالنسبة لموسكو. ويؤكد هنا أن كوتس “يدعم بوضوح بوتين والحرب. لهذا لا أعتقد أنه سيواجه عواقب خروجه عن النص”.

في المقابل، يقول د. عامر السبايلة: “الخطأ في العامل البشري دائما وارد لكن لا يمكن إلا معاقبة مرتكبيه ومن المتوقع أن يتم في مثل هذه الحالات معاقبة الأشخاص المسؤولين حتى لا تتكرر تلك الحوادث والعقوبة بمثابة تحذير للأفراد الآخرين”.

  • هل فشلت الدعاية الروسية في الحرب الأوكرانية؟

يرى سيباستيان روبلن أن الدعاية الروسية في الحرب الأوكرانية قد فشلت، وأن منبع هذا الإخفاق هو في عدم إعداد الروس نفسيا مسبقا لهذا النزاع، رغم أن القوات الروسية تجمعت على مدى أشهر قرب أوكرانيا، وخصوصا أن رسالة بوتين كانت بالعكس، أي “بالتأكيد، لن نغزو أوكرانيا. وعندما وقع ذلك، كان الكثير من الجنود الروس مرتبكين وببساطة غير مقتنعين بالأسباب التي قدمت في اللحظة الأخيرة”. يضيف صحافي فوربس الخبير في الشأن العسكري: “حاولت روسيا تمهيد الطريق للحرب من خلال حوادث مصطنعة واستفزازات. نجحت في ذلك سابقا، لكن هذه المرة كشفت الولايات المتحدة علنا عن تلك الاستفزازات المخططة حتى قبل وقوعها، أو إثبات أنها مصطنعة من خلال توظيف استخبارات المصادر المفتوحة (عكس المغلقة والسرية. من ذلك: منصات التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي والصحافة). لهذا فقد فشلت روسيا تماما في صياغة رواية لصالح الحرب قبل اندلاع النزاع. كان من الواضح أن الهجوم الروسي هو غزو غير مبرر”.

ويستطرد روبلن بأن “الدعاية الروسية فعالة لحد أدنى من خلال إنشاء روايات خصوصا فكرة أن النازيين يهيمنون على أوكرانيا ونظريات المؤامرةBiolab  وما إلى ذلك. لقد أنشأت موسكو شعار Z الذي يسوق للحرب في أوكرانيا وهي موجهة لأنصار بوتين عبر العالم. كما تستخدم روسيا صور الطائرات بدون طيار لإظهار النجاحات التكتيكية، يبقى أنها لا تزال تحاول اللحاق بالركب”. لاحظ أن المراسل الحربي الروسي ألكسندر كوتس “ساشا” كان يضع شعار Z على يده اليسرى وهو يحمل الميكروفون خلال بث تقريره.

من جانبه، يقول د. الحربي إن “الدعاية الروسية هي من بين أهداف منظومة العقوبات الغربية المفروضة، حيث تم حظر قنواتها على منصات التواصل مثل يوتيوب وأيضا تمت محاصرة الإعلام الروسي، الذي يلجأ اليوم إلى منصات وبرامج أخرى. لكن قوة التأثير يجب أن تكون موجهة إلى الجبهة الداخلية ضمن الاتحاد الروسي”. ويختم محدثنا: “لم تفشل الدعاية الروسية حيث كانت الحملة مركزة على الداخل كأولوية. هناك أيضا البيانات اليومية الصادرة عن المتحدث باسم الجيش الروسي وتم استخدام بروكسيات تتخطى حظر اليوتيوب وبدائل عن منصات التواصل الاجتماعي. روسيا مشهورة في الدعاية الحربية وهم مستمرون رغم أن الحرب تخطت المئة يوم. الحرب دخلت المرحلة الثالثة ووجبت مواكبة العمليات الحربية والعسكرية بحملة دعائية قوية لأن الشعب الروسي لا يقبل الآن أي هزيمة والرئيس بوتين ومحيطه يعتبر أي هزيمة بمثابة الانتحار السياسي”.

في المقابل، اعتبر الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي د. عامر السبايلة بأن الدعاية الروسية فشلت تماما، ويوضح: “الإعلام والدعاية اليوم هما بيد الولايات المتحدة والمحور الغربي وبالتالي مجرد استمرار الحرب يتعارض مع فكرة الدعاية الروسية، القائمة على قدرة آلتها العسكرية على تحقيق الحسم السريع وإحداث إنجازات سريعة والقضاء على القوات الأوكرانية بسهولة. البروباغاندا الروسية لم تعد صالحة وهي بالتالي تعمل على تضخيم الإنجازات في مناطق شرق وجنوب أوكرانيا ومحاولة تسويق أن هذه المعارك صعبة وحاسمة وأشبه بأن تكون حربا كبيرة. تفسير هذا بأن ليس هناك مادة يتم استخدامها لتصوير قوة آلة الحرب الروسية بل بالعكس تماما، حيث إنها تتعامل اليوم مع الأحداث بصيغة أقل من المتوقع وهناك إخفاق في تسويق فكرة تحقيق روسيا لإنجازات كبيرة” في الحرب الأوكرانية.

أمين زرواطي

//platform.twitter.com/widgets.js


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى