آخر الأخبارأخبار دولية

الحرب في أوكرانيا.. هل حان أوان إعادة صياغة مفهوم الأمن النووي؟

نشرت في: 27/05/2022 – 15:42

يعرّض الهجوم الروسي على أوكرانيا المنشآت النووية في هذا البلد للخطر الداهم كما لم يحدث في أي حرب تقليدية سابقا. سيناريو كارثي لم يتوقعه سوى قلة من المهتمين بهذا القطاع، حيث تمثل القوات الروسية تهديدا حقيقيا لأبسط قواعد السلامة النووية في مفاعلي تشيرنوبل وزابوريجيا.

لا تزال آثار الدمار التي خلفتها القوات الروسية في الفترة ما بين 24 فبراير/شباط و31 مارس/آذار، جلية على ضفتي نهر دنيبر، الطريق المؤدي إلى تشيرنوبل، على بعد ساعتين من العاصمة الأوكرانية كييف. فأغلب الجسور هنا مهدمة، وقد طلب منا سائق السيارة التي تقلنا لتصوير هذا الريبورتاج، عدم الابتعاد عن الطريق المزفت، مخافة الألغام المزروعة.

غير بعيد عن الحدود البيلاروسية، تصدرت منطقة الحظر ونطاقها 30 كيلومترا المحيطة بالمفاعل النووي تشيرنوبل مجددا، عناوين الأخبار الرئيسية عبر العالم بعد الهجوم الروسي. حيث كان عمال المحطة مجبرين على التعامل طوال 35 يوما، مع جنود روس يجهلون على ما يبدو المخاطر الكامنة في الموقع النووي.

يقول روسلان، تقني يعمل في المحطة، والذي كان ينتظر الحافلة للتوجه إلى مقر عمله: “كان لديهم مستوى ضعيف جدا من المعرفة. لم يكونوا يفهمون أن الأرض هنا ملوثة، ولا يجب لمسها، وخصوصا عدم حفر خنادق فيها”. ويضيف محدثنا: “رغم ذلك فهذا ما فعلوه وهو ما أدى إلى رفع مستوى النشاط الإشعاعي في المحطة. لحسن الحظ فقد تعاملت الإدارة بشكل جيد مع هذا الوضع”.

من جانبه، بات مدير المحطة فالنتين جيكو بطلا وطنيا في أوكرانيا، بعد أن روى لوسائل الإعلام كيف قاوم أوامر ضباط الجيش الروسي الذين لم يكن لهم أي معرفة علمية، ولم تكن نواياهم واضحة. وقد سمح حس الدعابة لديه وأيضا عزيمته الثابتة، لعمال المحطة الذين كانوا رهائن لمدة 20 يوما، بالتحمل إلى غاية سماح القوات الروسية باستبدال الفرق العاملة هناك.

لقد شكّل الهجوم الروسي على أوكرانيا مجددا مصدر قلق للخبراء النوويين في العالم. ومع تعطل أجهزة الاستشعار، وتحركات الجنود على الأرض الملوثة وأيضا انقطاع التيار الكهربائي في الفترة ما بين 9 و14 مارس/آذار، كانوا يخشون حدوث الأسوأ.

سيرغي، عامل آخر في المحطة، لا يزال تحت وقع الصدمة ولا يصدق أنه قد رأى “البرابرة” داخل منطقة الحظر النووي التي تعزل المفاعل التالف منذ عام 1986. يقول سيرغي: “لقد نهبوا كل شيء، خربوا معدات تقنية، تجهيزات، لكن لحسن الحظ، لم يتلفوا مصنع التبريد، ما كان ليتسبب في كارثة”.

بدأ رسلان وسيرغ ، وهما موظفان في محطة تشيرنوبل للطاقة النووية، دورة لمدة 15 يوما لضمان صيانة الموقع.
© فرانس24، دافيد غورميزانو.

ولا زالت محطة تشيرنوبل تعمل بعد مضي 36 عاما من أسوأ حادث نووي في التاريخ. كما لا يزال تفكيك المفاعلات الأربع المتضررة في الحادث جاريا لحد اليوم، خصوصا تخزين 22 ألف “تجمع” للوقود النووي المستهلك وعالي الإشعاع في أحواض تتطلب تبريدا مستمرا. ولعل أبرز نشاط للمحطة هو مراقبة تابوت علوه 100 متر تم إنجازه في 2019، لعزل المفاعل الذي “انصهر” خلال حادث 1986.

في زابوريجيا.. الاحتلال تهديد وهو مُربَك

فيما سمحت مغادرة الجنود الروس لموقع محطة تشيرنوبل بالعودة إلى مستوى مخاطر نووية مقبول وفقا للمعايير الدولية، ففقد أدى احتلال محطة زابوريجيا في 4 مارس/آذار في الجانب الآخر من البلاد، إلى مشاهد سريالية ومزعجة. حيث أثارت صور إطلاق سلاح المدفعية الروسية النار على مبان داخل مجمع المحطة مخاوف جدية رغم عدم تسجيل أي حادث نووي.

وفي السياق، تحدثت السلطات الأوكرانية، عن نشر 500 جنديا، إلى جانب نحو خمسين مركبة عسكرية منها دبابات، وأسلحة ومتفجرات من كل الأنواع. ترسانة حربية لا تحترم أبسط قواعد السلامة في المنشآت النووية.

ويعتبر بيترو كوتين رئيس “إنيرجوآتوم” المؤسسة الوطنية للطاقة النووية الأوكرانية أن “لا أحد تخيل أن يتم فتح النار داخل محطة نووية، مثلما فعله الروس في زابوريجيا”. أضاف كوتين: “اليوم، يستخدمونها كقاعدة عسكرية لأن محيطها مؤمن وتوفر أسوارها حماية جيدة، وأيضا لوجود كاميرات المراقبة. يستخدمون أيضا المقهى والمطعم لتحسين يوميات جنودهم”. وتابع: “نعتقد أنهم لا يفهمون أصلا الهدف من احتلال المحطة. جاؤوا، احتلوها، وهم لا يعرفون حقيقة ماذا يفعلون بها”.

 

بيترو كوتين رئيس Energoatom شركة الطاقة النووية الأوكرانية المملوكة للدولة بمكتبه في كييف.

بيترو كوتين رئيس Energoatom شركة الطاقة النووية الأوكرانية المملوكة للدولة بمكتبه في كييف.
© فرانس24، دافيد غورميزانو.

 

وفي الواقع، لم يقدم لا الجنود الروس ولا 10 إلى 15 تقنيا تابعا لشركة “روساتوم” النووية المدنية الروسية العملاقة، المتواجدين في زابوريجيا، على وضع اليد على الوقود النووي. من جهة أخرى، لا يزال مفاعلين من أصل ستة موجودة في المحطة يعملان، وهما يزودان أوكرانيا بالكهرباء ويغذيان أنظمة التبريد في هذه المحطة النووية التي تعد الأكبر على المستوى الأوروبي.

فهل تعد السيطرة على المحطة غنيمة حرب ستسمح لروسيا بتزويد القرم ومناطق أخرى بالكهرباء؟ هذا ما أشار إليه نائب رئيس الوزراء الروسي خلال زيارته زابوريجيا الأسبوع الماضي، الذي قال في هذا الشأن: “إن وافقت أوكرانيا على الدفع، إذا يمكن أن تعمل (المحطة) لصالحها. إن لم توافق (أوكرانيا)، إذا فهي ستعمل لصالح روسيا”. حسبما صرح مارات خوسنولين وفق ما نقلته وكالات أنباء روسية.

يرد بيترو كوتين بالقول: “في الوقت الراهن، يستحيل وصل زابوريجيا مع شبكة الكهرباء الروسية”. ويضيف رئيس المؤسسة الوطنية للطاقة النووية الأوكرانية: “لأجل هذا، ينبغي بناء ما بين 200 إلى 400 كيلومترا من الخطوط، ما سيكلف حوالي 500 مليون يورو ويتطلب نحو عامين. لكن ورغم عاملي الزمن والتكلفة، فإن الروس قادرون على تحقيق ذلك. انظروا إلى الإمكانيات التي وضعوها لتشييد جسر يربط القرم والفدرالية الروسية (ما بين 2014 و2018)”.

تحدي السلامة النووية في زمن الحرب

بالنسبة للخبراء في مجال الطاقة النووية المدنية، فقد بات التفكير بالسلامة النووية في زمن الحرب حتميا. ولحد الآن، سبق أن تم تصور سيناريوهات لهجمات إرهابية، لكن في ضوء الهجومو الروسي على أوكرانيا، فقد باتت مسألة اعتماد قواعد دولية في هذا الإطار مطروحة على الطاولة.

ومنذ ثلاثة أشهر، طالبت السلطات الأوكرانية دون جدوى، الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجبار الدول الأعضاء على الالتزام باحترام نطاق خمس كيلومترات حول المنشآت النووية، وحظر دخول أي قوات عسكرية إليها.

وحاليا، عززت الحكومة الأوكرانية قواتها المدافعة عن المحطات النووية. في السياق، قال بيترو كوتين: “بات لدينا جنود مزودين بأسلحة مضادة للدبابات (صواريخ جافلن وقاذفات صواريخ محمولة على الكتف)، لحماية المحطات. لقد تمت مباغتتنا في زابوريجيا حيث لم يكن يتواجد أي سلاح في المحطة. لا أدري بالتحديد ما هي المعدات العسكرية المستخدمة، إنها معلومات سرية لست مخولا للاطلاع عليها”.

 

لوحة جدارية في موقع محطة تشيرنوبل في 24 مايو/أيار 2022.

لوحة جدارية في موقع محطة تشيرنوبل في 24 مايو/أيار 2022.
© فرانس24، دافيد غورميزانو.

 

في المقابل، لجأ مسؤول المحطات الأوكرانية إلى منع نقل أي مواد نووية على كامل أراضي البلاد بهدف تعزيز مستوى الأمن. حتى إن نقل الوقود النووي الضروري لعمل المفاعلات بات مقيدا بشرط انتهاء الحرب. إجراء لا يجب أن يعيق الآداء السليم للحظيرة النووية لأن كييف تتبع نصائح الخبراء الأمريكيين الذين أرسلوا بعد اندلاع الحرب في دونباس عام 2014.

ضمن هذا الإطار، يوضح كوتين: “اتبعنا توصياتهم ببناء وحدات تخزين جديدة للوقود النووي على الأراضي الأوكرانية للسماح باستغلال مفاعلاتنا خلال سنتين. في حال استمرت الحرب لأكثر من سنتين، سنرى إذا ماذا سنفعل”.

وفي وقت يبدو فيه أن السلام في أوكرانيا يبقى احتمالا بعيد المنال، يبقى أن السلامة النووية هي مسألة تتطلب مستوى أمن مثالي. في الزمن المنظور، لا يمكن استبعاد اندلاع معركة بين القوات الأوكرانية والروسية للسيطرة على محطة زابوريجيا، حيث إن أوكرانيا أعلنت عزمها على استعادة كافة المناطق المحتلة خلال الأشهر القادمة. يبقى أن حدوث معارك عنيفة للسيطرة على أي موقع نووي، هو بمثابة الكابوس لدول أوروبا قاطبة.

النص الفرنسي: دافيد غورميزانو

نقله إلى العربية بتصرف: أمين زرواطي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى