إقتصاد وأعمال

رأي.. كيف يمكن تحقيق الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة من خلال تقنية “البلوكتشين”؟

هذا المقال بقلم بهاء حمادة، نائب رئيس الاتصالات، مجموعة المعرفة المتعمّقة، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.

تكتسب تقنية “البلوكتشين” زخمًا سريعًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الرغم من وجود مستويات منخفضة نسبيًا من الوعي العام والمعرفة بهذا النوع من التطبيقات إقليمياً. زيادة اعتماد المنطقة على هذه التقنية يعتمد إلى حد كبير على توافر الأطر التنظيمية والنظام البيئي التمكيني، فضلاً عن الثقة في القيمة المضافة والأمن الذي توفره هذه التكنولوجيا.

تعد الأنشطة الاقتصادية الجديدة وخفض التكاليف والشفافية والأمن من أبرز الفوائد التي تشجع المؤسسات ضمن القطاعين العام والخاص على اعتماد تقنية “البلوكتشين”. في حين أن الكثيرين يتوقعون أن تحدث هذه التكنولوجيا ثورة في العديد من القطاعات، إلا أنها لا تزال في مرحلة “إثبات المفهوم” وفي طريقها إلى “الاتجاه السائد”. إلا أن هذه الأخبار مشجّعة لمنطقتنا التي تواجه العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية طويلة المدى، حيث يمكن لتقنية ثورية مثل “البلوكتشين” أن توفر فرصة قيّمة لإحداث تغيير إيجابي.

ثورة البلوكتشين وتطبيقاتها عبر القطاعات

على الصعيد العالمي، تواصل تقنية “البلوكتشين” تأثيرها على القطاعات الرئيسية مع وجود مشاريع تجريبية لتقييم جدواها. وتشهد دول مثل الولايات المتحدة وكندا والصين واليابان ودول في أوروبا الغربية نموًا مذهلاً في استثمارات “البلوكتشين”.

في مثابرة لتطوير منصة عالمية لسلسلة التوريد، كانت شركة SAP العملاقة لبرامج المؤسسات من أوائل الذين أسسوا اتحادًا للبلوكتشين يضم شركات مثل HP و Intel و UPS و Airbus. وتوجد اليوم العشرات من هذه الاتحادات على مستوى العالم، حيث تجمع بين الأعمال التجارية من مختلف القطاعات مثل البنوك والنقل والضيافة وغيرها.

لم تتوسع حلول “البلوكتشين” حتى الآن لتقدم تطبيقات شاملة ومجدية في المنطقة أو حتى على مستوى العالم. ومع ذلك، فقد بدأت منطقتنا في تبني التكنولوجيا التحويلية والتي قد تعود بأثرها الإيجابي على المجتمعات والاقتصادات المحلية.

03:11

كيف تحول دبي “بلوك تشين” من أداة نظرية إلى حل قابل للتنفيذ؟

ونشهد حاليًا انتشار تقنية “البلوكتشين” في المنطقة بشكل أساسي ضمن العملات الرقمية والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) وقطاع الخدمات المالية. ونظرًا لكونه من أوائل المتبنين لهذه التكنولوجيا، يستفيد قطاع الخدمات المالية من “البلوكتشين” عن طريق المعاملات المصرفية والتحويلات والأوراق المالية والاستثمارات.

في السنوات القادمة، من المتوقع أن يرتكز الإنفاق الضخم على “البلوكتشين” في قطاعات التصنيع والتجزئة والخدمات المهنية. وستستفيد خدمات الأعمال وتكنولوجيا المعلومات أيضًا من غالبية الإنفاق على هذه التكنولوجيا هذا العام. ويمكن أن تستفيد قطاعات أخرى مثل الغذاء والرعاية الصحية من هذه التكنولوجيا.

إمكانات “البلوكتشين” في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة

ويعد الفقر والصراع والبطالة وسوء جودة التعليم وندرة الموارد مثل الكهرباء من أكثر القضايا الاجتماعية والاقتصادية شيوعًا التي تواجه عددًا من البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي مقابل هذه التحديات، لا بد أن تكون هناك فرص، إذ لا شك في أن عددًا من القطاعات سيستفيد مما يسمى بتطبيقات Web3.

الحكومات وسلاسل الإمداد

على سبيل المثال، يمكن للحكومات استخدام “البلوكتشين” لحفظ السجلات مثل المعاملات العقارية والميزانيات وقروض الطلبة وتتبع المساعدات الإنسانية. قد تقلل حالات الاستخدام هذه من الفساد والاحتيال والتكلفة من خلال إقصاء الغموض واللغط بما يتعلق بالمعاملات الحكومية النموذجية واستخدام الورق. وفي مثال آخر، تستخدم سلطات الموانئ في بعض أنحاء العالم تكنولوجيا “البلوكتشين” لتتبع الشحنات من خلال تطوير طرق غير قابلة للعبث بها. والهدف هو ضمان وصول المدفوعات إلى الأطراف المعنية والقضاء على الحسابات الاحتيالية وغسيل الأموال.

العطاء

يعد الفساد مشكلة منتشرة في العديد من بلدان الشرق الأوسط، ولا سيما تلك التي تعاني من النزاعات، والتي على الرغم من رغبة المانحين في دعم جهودها الإنسانية، إلا أنهم غالبًا ما يترددون في القيام بذلك خوفًا من إساءة استخدام تبرعاتهم. تقدم “البلوكتشين” للمانحين والمؤسسات الخيرية مستوى عالٍ من الشفافية حول كيفية توزيع مساهماتهم بين المستفيدين. ومن المرجّح أن تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في تكثيف التبرعات مثل المواد الغذائية والإمدادات الطبية والتعليم والبنية التحتية. ويمكن لهذه الخطوة أن تخفف من حدة الفقر وتحسن جودة الحياة في المجتمعات المهمشة.

حقوق الملكية

تعد القرصنة شكلًا آخر من أشكال الفساد. تعمل منظمات مكافحة القرصنة والسلطات المحلية جنبًا إلى جنب للقضاء على المنتجات المزيّفة من الموسيقى والأفلام وغيرها. يمكن أن يؤدي شراء الأغاني والموسيقى باستخدام العملة المشفرة إلى القضاء على انتهاك حقوق النشر. نتيجة لذلك، يمكن أن تظهر بيئة مواتية للفنانين الناشئين، مما يسمح لهم بالوصول إلى جمهورهم مباشرة دون تحمل تكلفة الموزعين وتكبّد الخسارة جرّاء القرصنة.

الرعاية الصحية

يمكن أن تعمل “البلوكتشين” أيضًا كمنصة عالمية للسجلات الطبية للمرضى، مما يقضي على مخاطر الاختراقات الأمنية أو الحذف أو التلاعب بالبيانات. إن توافر قيود لامركزية للبيانات الطبية قد يساعد في ابتكار الأفكار اللازمة لمكافحة الأمراض، مع دعم تخصيص المساعدات الإنسانية في البلدان التي تعاني من صراعات أو حروب.

التنظيم العقاري

تحاط سجلات ملكية الأراضي في منطقتنا بالغموض وتعد عرضة للعبث بالرشوة. تسمح تقنية البلوكتشين بتتبع سجل ملكية الأراضي والتحقق من التسجيلات وإجراء عمليات التحقق من خلفية الأطراف والمدفوعات وسندات الملكية والضرائب. في الأسواق الأكثر تطورًا مثل الإمارات، يقوم بعض المطورين العقاريين بترميز العقارات كوسيلة للتجارة. يمكن الآن للملاك إصدار الرموز المميزة المستندة إلى “البلوكتشين”، والتي تمثل قيمة أسهمهم في أصول معيّنة. بالإضافة إلى ذلك، بدأ العديد من المطورين والوكالات العقارية ببيع الأراضي والممتلكات الافتراضية على شكل NFTs.

الطاقة و”الاقتصاد التشاركي”

إن التحدي الرئيسي الآخر في المنطقة، لا سيما في البلدان التي تعاني من الاضطرابات أو الخارجة منها للتو، يتمثل في الافتقار إلى مصدر طاقة منتظم. ولكن بمساعدة “البلوكتشين”، يمكن للمستهلكين مشاركة طاقتهم مع جيرانهم مقابل رسوم حسب الطلب. يعد هذا خيارًا مفيدًا ليس فقط في البيئات غير المستقرة ولكن ضمن المناطق المتطورة أيضاً، حيث أصبح نموذج الاستهلاك العصري “الاقتصاد التشاركي” شائعًا بشكل متزايد، لا سيما بين جيل الألفية. وفي ظل تزايد الإيجارات قصيرة الأجل لبعض المنتجات والخدمات وحلولها تدريجيًا محل الملكية الكاملة لشخص أو جهة واحدة، يمكن أن يحقق استخدام “البلوكتشين” نتائج إيجابية للشركات والأفراد في المنطقة بالنسبة لمعالجة التلوث والحفاظ على الموارد.

تخفيض نسبة البطالة

يمكن لأي تكنولوجيا جديدة أن تحقق أثرًا هائلًا في حال تمكنت من توفير الشمول المالي. وقد أثبتت تقنية “البلوكتشين” أنها مفيدة للمقرضين الذين يرغبون في تقديم قروض صغيرة للأشخاص في المجتمعات المهمشة والذين لا يمكنهم الوصول إلى الخدمات المصرفية. على سبيل المثال، يحتاج الباعة الجائلين إلى حد أدنى من الدعم المالي لإنشاء أكشاك الطعام. تسمح “البلوكتشين” لأصحاب المشاريع الصغيرة باقتراض الأموال دون الخضوع إلى تقييمات الائتمان الشاملة والمعقدة التي تتطلبها البنوك حاليًا، مما يؤدي إلى تقليل البطالة.

وفقًا للبنك الدولي، يوجد 1.7 مليار شخص حول العالم بدون حسابات مصرفية. وبالنسبة لأولئك الذين يعيشون في المناطق النائية أو مناطق النزاع، حيث لا توجد البنوك، يمكن أن تقدم “البلوكتشين” حلًا مفيدًا. تسهّل التكنولوجيا أيضًا المعاملات بطريقة أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة، مثل التحويلات التي تعتمد عليها العديد من العائلات في جميع أنحاء المنطقة لتأمين العيش الكريم.

قطاع الأغذية

علاوة على ذلك، يمكن للمستهلكين تتبع طعامهم من المزرعة إلى المطبخ من خلال تقنية “البلوكتشين”. وبالنسبة لمنطقتنا بالتحديد، قد يتمكن المستهلكون من معرفة ما إذا كان الطعام حلالًا بناءً على مصدر الطعام وطرق التحضير. يمكنهم أيضًا التحقق من جوانب مختلفة من الأمن الغذائي والجودة أو مصدر تلوث الأغذية.

فوائد جمّة وطريق طويلة

إن الفوائد المحتملة لتكنولوجيا “البلوكتشين” واضحة تمامًا. بالرغم من ظهور هذه التقنية منذ ما يقارب 15 عامًا، نحتاج إلى التحلي بالصبر من أجل إتقان التطبيقات التي توفرها عبر كافة القطاعات.

عندما يتم إنتاج دواء جديد أو تطوير علاج مبتكر، فإنه يخضع لسلسلة من الاختبارات والموافقات الصارمة قبل إعطائه للمرضى. قد يستغرق الأمر شهورًا وحتى سنوات قبل أن تتحقق الفوائد الملموسة. حتى أكثر الابتكارات الواعدة تواجه عقبات طوال مرحلتها التجريبية. لا تختلف طبيعة “البلوكتشين” عن دواء رائد في طريقه لتحقيق إمكاناته الكاملة، ويبدو أن هذه التكنولوجيا هي الدواء الشافي الواعد لمجموعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه منطقتنا.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى