آخر الأخبارأخبار محلية

عمال النظافة… مهنة سامية في مجتـمع لا يرحم

كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”: لا داعي لنتخيّل ما كان ليحصل لو أضرب عمال النظافة في منطقة ما ليوم أو اثنين أو ثلاثة. فما حصل من تكدّس للنفايات بين البيوت وفي الطرقات جراء توقّفهم عن العمل في بيروت وضواحيها قبل أيام وقبلها في الهرمل- واللائحة قبل هذه وتلك الواقعة تطول- بسبب عدم التجاوب مع مطالبهم المعيشية، خير دليل على ذلك. جنود لا يُستَبدلون في معركة لا تتوقّف. المهنة راقية والرسالة إنسانية، أمّا المجتمع فيسوده الكثير من التشوهات على مستويات مختلفة في أنماط التفكير، بدءاً من نمط التمييز مروراً بالوصمة الاجتماعية تجاه الآخرين وصولاً إلى الحكم عليهم وربط نجاحهم بصُوَر معيّنة. بهذه الكلمات يختصر علم النفس المعاناة الاجتماعية لعمال النظافة. فكيف يختصرون هم لنا معاناتهم؟

 

الأخصائية النفسية، الدكتورة كارول سعادة، تشرح لـ»نداء الوطن» أن عمال النظافة هم في الواقع أناس ترعرعوا في مجتمع ويتعرّضون بحكم الواقع إلى السلوك الناتج عن الأنماط المختلفة التي تتعاطى فيها بعض فئات هذا المجتمع مع الآخرين. فالتشوّهات الفكرية التي يعاني منها بعض الأفراد تنعكس سلباً على العامل، إن من خلال تزعزع ثقته بنفسه، أو حتى حبه وتقديره لذاته. وتضيف: «الأنماط التي تحدّد نظرة المجتمع لبعض المهن يتوارثها هذا الأخير بطريقة غير مباشرة. من هنا ضرورة تنمية الوعي والإدراك لدى الأشخاص لتغيير النظرة تلك». إذ إن الأذى الناتج عن تلك التشوّهات يطال كلا الطرفين، فهي تعبّر عن تصلّب فكري وقبح في طريقة التفكير لدى من يعاملون الآخرين بنزعة فوقية فيها الكثير من التمييز واللامساواة.

من جهة أخرى، ترى سعادة أن جزءاً كبيراً من تقدير الإنسان لنفسه وتقييمه لذاته إنما يرتبط بنظرة الآخر إليه وحكمه عليه، فكيف إذا كانت النظرة تتضمن نوعاً من العنف المعنوي تجاه الآخرين؟ وتنهي قائلة: «لا شك أن هناك أشخاصاً متصالحين مع أنفسهم في مهنتهم ولديهم حكمة وسلام داخلي كافيان لحسن تقدير الذات». هنا يختلف التأثير باختلاف الشخصية بين تلك التي تتأثر بنظرة الآخرين إليها، فنراها على سبيل المثال ترفض القيام بنفس العمل داخل بلدها أو محيطها، وأخرى أكثر تماسكاً وتقديراً للذات، ما يولّد لديها قناعة بما تقوم به مقدّرة قيمة المهنة التي تزاولها.

 

في حديث مع «نداء الوطن»، يُفصّل الأخصائي في الطب الداخلي وأمراض الدماغ والأعصاب، الدكتور إميل علم، المخاطر والأمراض التي تهدّد عمال النظافة في مهنتهم. بالنسبة له، يُقسَّم الوضع الصحي والطبي في هذه الحالة إلى قسمين: الأول يتمحور حول الأمراض التي يُسبّبها تكدّس النفايات في الشوارع والانبعاثات والغازات التي تصدر عنها، الأمر الذي ينتج عنه الكثير من الأعراض، كالالتهابات الرئوية، مشاكل الجهاز التنفسي، الحساسية المفرطة، كما اعتلال الجهاز الهضمي والأمراض السرطانية وغيرها. أما القسم الثاني فيتلخّص بتبعات طبيعة الحياة التي يعيشها العمال: أولاً لناحية سوء التغذية، وذلك بحكم أوضاعهم المعيشية المحدودة لا سيما في ظلّ الأزمة الحالية التي يعاني منها البلد؛ وثانياً نتيجة ظروف السكن غير الصحية بحيث يتشارك أشخاص عدة مساحة سكنية ضيّقة توفيراً لمصاريف الإيجار والمستلزمات الأخرى، ما ينعكس سلباً على أوضاعهم الصحية وتراجع جهاز المناعة لديهم. أضف إلى ذلك، عدم تمتّعهم بأي تأمين صحي مع ما يعنيه ذلك من شبه غياب للرعاية الطبية.

العمل في ظروف مناخية قاسية وما ينتج عنها من نزلات صدرية والتهاب الشعب الهوائية لا يقل أثراً سلبياً عليهم أيضاً. هذا دون أن ننسى حالات الغثيان والدوار الناتجة عن الروائح والغازات التي يتنشقونها. وفي حين يلفت علم إلى أن «العناية والوقاية غير متوفرتين في الأغلب، إذ نرى العمال يأكلون بأيديهم أثناء العمل دون أي تعقيم»، يناشد الجهات المعنية معالجة ملف النفايات بطريقة حازمة وجازمة. ويختم مطالباً إيلاء عمال النظافة، اللبنانيين والأجانب منهم على السواء، المزيد من العناية عبر تأمين شروط ملائمة لا سيما في ما خص السكن والطبابة، كذلك مراعاة ظروفهم لأنهم أكثر عرضة من غيرهم لأمراض مزمنة ويحتاجون إلى متابعة دائمة.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى