آخر الأخبارأخبار دولية

“رأيت الجنود الروس يقتلون مرارا المدنيين لمجرد أنهم كانوا يمشون في الشارع”

نشرت في: 19/04/2022 – 18:43

تحاول مدينة إربين شمال العاصمة الأوكرانية كييف، والتي استولت عليها القوات الروسية في 24 فبراير/شباط الماضي ولغاية نهاية مارس/آذار، تضميد جراحها وإعادة الحياة إلى شوارعها رغم صور الموت والدمار المنتشرة في كل مكان. فهذه البلدة الصغيرة التي كانت قبل الهجوم الروسي ملاذا للسياح لا زالت تدفن موتاها يوميا بعد أسابيع من القصف والقتل والاغتصاب على يد الجنود الروس. شهادات صادمة نقلها موفد فرانس24 طاهر هاني إلى كييف عبر هذا الريبورتاج.

لن تنسى مدينة إربين الواقعة على بعد ثلاثين كيلومترا شمال العاصمة الأوكرانية كييف الدمار الذي خلفته القوات الروسية بعد استيلائها على المدينة في الفترة ما بين 24 فبراير/شباط الماضي ونهاية مارس/آذار.

شهر كامل من القصف والقتل العشوائي حول هذه البلدة الصغيرة، التي كانت قبل الحرب ملاذا للسياح الأجانب ولسكان كييف للتمتع بعطلة نهاية الأسبوع والعطل على ضفاف أنهارها ومساحاتها الخضراء، إلى جحيم على وجه الأرض.

سيارة روسية رباعية الدفع من نوع “تايغر” احترقت بالكامل بعد أن استهدفتها طائرة حربية أوكرانية قرب مطار هوستوميل في بلدة إربين. 18 أبريل/نيسان 2022 © طاهر هاني فرانس24

“لم يصدق عقلي ما رأيته”

سكان مدينة إربين، ممن حالفهم الحظ وبقيوا على قيد الحياة، لا يزالون تحت هول الصدمة بسبب ما شاهدوه على يد “الجنود الروس العنصريون والشيشان” كما وصفهم كونستنتان غودوسكوس، وهو مواطن أوكراني من أصل كازاخستاني. هذا الشاب الذي لا يكف عن البكاء كلما عادت إلى ذاكرته مظاهر العنف والتقتيل التي طبعت القوات الروسية منذ اليوم الأول لدخولها إلى إربين، حيث يقول “انفجار كبير أيقظني من النوم يومها. نظرت من النافذة لأحاول أن أفهم ما يحدث فشاهدت المئات وربما الآلاف من المظليين الروس وهم ينزلون من طائرات عسكرية ليلة 24 فبراير/شباط الماضي في مطار هوستوميل الواقع على بعد كيلومتر واحد فقط من إربين. كان صوت الطائرات العمودية مرعبا ومزعجا. لم يصدق عقلي ما رأيته. كأنها سحب سوداء من كثرة الطائرات في سماء هوستوميل”.

كونستنتان غودوسكوس أحد الشاهدين على المجازر التي ارتكبتها القوات الروسية في إربين. دفن 74 جثة في حدائق المدينة. 17 أبريل/نيسان 2022

كونستنتان غودوسكوس أحد الشاهدين على المجازر التي ارتكبتها القوات الروسية في إربين. دفن 74 جثة في حدائق المدينة. 17 أبريل/نيسان 2022 © طاهر هاني فرانس24

وأضاف غودوسكوس: “بعد يومين فقط، جاء جنود روس إلى العمارة التي كنت أسكن فيها وقتلوا الحارس بدون أي سبب. المسكين لم يكن حتى مسلحا. رأيتهم (الجنود الروس) مرات عديدة وهم يقتلون الناس بمجرد أنهم كانوا يمشون في الشارع. حتى سيارتي تعرضت عدة مرات إلى إطلاق نار، لكن بفضل قدرة الخالق لم أصب بأي أذى”.

مدينة إربين هي من البلدات الأولى التي احتلها الجنود الروس لأنها قريبة جدا من مركز العاصمة كييف ومن الطريق الرئيسية التي تؤدي إلى العاصمة. المقاتلون الروس حاولوا الزحف إلى العاصمة، لكن القوات الأوكرانية تصدت لهم ومنعتهم من الدخول، فأجبروا على التراجع واستقروا في مدينة إربين شهرا كاملا.

“اغتصبوا فتاة عمرها 15 عاما”

ولم تنته معاناة كونستنتان غودوسكوس عند مظاهر القتل فحسب… بل كتب له أن يرى مشاهد أكثر بشاعة حسب تعبيره، كعملية اغتصاب نساء وفتيات في حي صغير بمدينة إربين يدعى “بازيل”.

وعن هذا اليوم الأسود الذي كان فيه شاهدا على قصة اغتصاب مروعة لن ينساها طيلة حياته يقول غودوسكوس: “رأيتهم يغتصبون النساء والفتيات. إحداهن، كان عمرها 15 سنة. احتجزوها في قبو العمارة. لم يكونوا جنودا شيشان أو من جنسيات أخرى، بل جنودا روسا لا تتعدى أعمارهم عشرين عاما. الفتاة تمكنت من الفرار في الأخير لأن مغتصبيها شربوا كميات كبيرة من الخمور ونسيوا تقييدها”.

إحدى المباني التي دمرها القصف الروسي وسط مدينة إربين. وسط العمارة احترق. 17 نيسان/أبريل 2022,

إحدى المباني التي دمرها القصف الروسي وسط مدينة إربين. وسط العمارة احترق. 17 نيسان/أبريل 2022, © طاهر هاني فرانس24

وأنهى قائلا: “رأيت العجائب والغرائب في بلدة إربين وقمت بدفن 74 جثة خلال احتلال القوات الروسية للمدينة. قلت لهم (الروس) أنتم مسيحيون مثلي وأجانب مثلي، دعوني أدفنهم في المقبرة كما أمر الله لأن جثثهم بدأت تطلق رائحة كريهة، لكنهم رفضوا وطلبوا مني أن أدفنهم في حدائق المنازل”.

“ماذا فعلنا لبوتين لكي يقتلنا هكذا”

هذا، وأكد مسؤول الشرطة في منطقة كييف أندري نييبتوف أن نحو 900 شخص قتلوا في العاصمة والمدن المجاورة لها، من بينهم 150 في بلدة إربين التي تحولت إلى رماد، مشيرا أن “هذا العدد مرشح للارتفاع لأنه لم يتم العثور على كل الجثث التي لا يزال بعضها تحت الأنقاض”.

وأضاف نييبتو: “مهمة الشرطة الآن: أولا جمع الأدلة وتوثيق الجرائم التي ارتكبها الجنود الروس لمتابعتهم أمام القضاء الدولي. وثانيا توقيف الأوكرانيين الذين ساعدوهم وكل اللصوص الذين نهبوا المنازل الفارغة”.

كبلدة بوروديانكا، تحولت مدينة إربين إلى مدينة أشباح. العمارات والمباني دمرت بالكامل فيما انهارت فيها البنية التحتية. فلا مياه ولا كهرباء ولا محلات تجارية. ما أجبر جميع السكان على مغادرتها.

قبل الحرب، كان عدد سكان المدينة يتجاوز مئة ألف مقيم. لكن اليوم لم تبق سوى بعض العائلات التي لم تجد مكانا آمنا للهروب إليه.

من بينها عائلة هالينا كوشكوك التي بقيت مع أولادها في شقة صغيرة في الطابق الثالث لعمارة دمر سقفها وتفتقر للمياه والكهرباء. “ليس لدي مكان أذهب إليه. لقد دفنت زوجي في 20 مارس/آذار الماضي بعد أن قتل بالرصاص من قبل جنود شيشان. اليوم بقيت مع أولادي في هذه البناية المهددة بالانهيار بين لحظة وأخرى”.

جنود روس قصفوا شقة في إربين بقذائف "الإربيجيه" وقتلوا المقيم فيها لأنه كان يدخن سيجارة على شرفة الشفة. 17 أبريل/نيسان 2022

جنود روس قصفوا شقة في إربين بقذائف “الإربيجيه” وقتلوا المقيم فيها لأنه كان يدخن سيجارة على شرفة الشفة. 17 أبريل/نيسان 2022 © طاهر هاني فرانس24

وتابعت كوشكوك والدموع تغمر عينيها:” أولادي يدعموني ويطلبون مني طي صفحة الماضي وعدم الالتفات إلى الوراء. لكن كيف يمكن أن ننسى كل ما عشناه. زوجي قتل وشقتي دمرت وفقدنا كل ما لدينا وأصبحنا مثل المتسولين. لا، من المستحيل أن أنسى ومن المستحيل أن تعود الحياة إلى ما كانت عليه قبل الحرب”.

وأردفت: “ماذا فعلنا لبوتين لكي يقتلنا هكذا. لم نسرق أحدا ولم نشتم أحدا. كنا نعيش في بلدنا ولم نعتد على أحد. هو الذي اعتدى علينا ودمر حياتنا”.

وتدخل ابنها ديميتري مضيفا: “عندما بدأت الحرب كنت خارج المنزل. تلقيت اتصالا هاتفيا من والدتي. كانت خائفة لأنها سمعت دوي انفجارات قرب المدينة. كنت في منزل صديقي لكن شعرت بأن كل شيء كان يتحرك من تحت أقدامي. اهتزت العمارة التي كنت فيها”.

القوات الروسية استهدفت مركز الشرطة التابع لمدينة إربين ودمرته كليا فيما قتلت رجل أمن واحد. 17 نيسان/أبريل 2022

القوات الروسية استهدفت مركز الشرطة التابع لمدينة إربين ودمرته كليا فيما قتلت رجل أمن واحد. 17 نيسان/أبريل 2022 © طاهر هاني فرانس24

غادرنا منزل هالينا وذهبنا رفقة رجال الشرطة لزيارة ما تبقى من المدينة التي تحولت إلى رماد. فتوقفنا في حي تتواجد فيه عمارات مصطفة الواحدة تلو الأخرى تشبه تلك التي نراها بالضواحي الفرنسية. وهنالك التقينا رجل أمن شاهد هو الآخر الكثير من صور القتل والمجازر حيث يقول: “اتصلت بنا امرأة تسكن في هذا الحي في منتصف مارس/آذار الماضي وقالت لنا بأنها تبحث عن عمها الذي اختفى منذ أيام عديدة. لكن عندما ذهبنا إلى المكان الذي يسكن فيه لاحظنا أن صاروخا روسيا أصاب شرفة شقته. تم استهداف هذا الرجل لأنه كان فقط يدخن سيجارة على شرفة المنزل”.

سنوات عديدة لإعادة بناء المدن المدمرة

سكان آخرون تم استهدافهم بدون أي سبب أو “بمجرد أنهم يملكون هواتف نقالة حسب شرطي آخر أكد بأن الروس لا يريدون أن يوثق أحدهم المجازر البشعة التي ارتكبوها في حق هذه البلدة وسكانها”.

سنوات عديدة تحتاج إليها مدينة إربين لتعود إلى الحياة من جديد. الطرقات والمباني والجسور الرئيسية المؤدية إلى العاصمة كييف دمرت. حتى مركز الثقافة الذي يعتبر تحفة معمارية بني في وقت الاتحاد السوفياتي لم يسلم من الغارات ويتوجب الآن تدميره بالكامل لأن ركائزه اهتزت من شدة القصف بالمدفعيات.

بوتشا وإربين وبوروديانكا وهوستوميل ومدن أوكرانية أخرى دمرت في غضون شهر واحد فيما تحتاج الحكومة إلى سنوات لإعادة بنائها من جديد.

طاهر هاني موفد فرانس24 إلى أوكرانيا


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى