آخر الأخبارأخبار دولية

رحلة في جحيم مدينة بوروديانكا قرب العاصمة كييف والخراب الذي خلفته القوات الروسية

نشرت في: 15/04/2022 – 13:31

خراب خلفته القوات الروسية بعدما غادرت مدينة بوروديانكا الواقعة قرب العاصمة كييف شمالا. الحياة فيها توقفت بالكامل وتحولت إلى جحيم بسبب الدمار الذي لحق بالمباني وبالبنية التحتية. السكان فروا من هذا المدينة جميعا، فيما تواصل فرق الإنقاذ انتشال جثث الموتى على الرغم من مخاطر من انفجار الألغام والقنابل التي زرعها الجيش الروسي. فرانس24 تجولت في شوارع هذه المدينة  الجريحة والتي كانت مسرحا لقتال عنيف ومعارك طاحنة.

سميت “بمدينة الأشباح”. بلدة بوروديانكا تقع على بعد 40 كيلومترات شمال العاصمة الأوكرانية كييف. هي مدينة استراتيجية كونها تتمركز على الطريق المؤدية إلى العاصمة كييف. القوات الروسية سيطرت عليها في بداية الحرب ودمرت أجزاء كبيرة منها حتى أصبحت تلقب بمدينة الأشباح.

الحياة فيها باتت شبه منعدمة. البنية التحتية مدمرة بشكل كامل. فلا يوجد فيها كهرباء ولا مياه ولا مواصلات. ناهيك عن المحلات التجارية والأسواق التي نهبت من قبل الجنود الروس الذين سرقوا كل ما فيها، حتى الثياب الداخلية للنساء.

بناء مدمر جراء القصف الروسي في مدينة بوروديانكا. فرق الإطفاء تحاول هدم هذه العمارة الهشة لكنها تخشى من انفجار الألغام والقنابل التي زرعتها القوات الروسية قبل أن تغادر المكان. 14 أبريل/نيسان 2022. @طاهر هاني/ فرانس24

قمنا بزيارة ميدانية لهذه المدينة الأربعاء الماضي. الطريق إليها كانت شاقة وطويلة بسبب تعدد نقاط التفتيش العسكرية التي نصبت على مفترقات الطرق. فبالرغم من قرب المسافة، إلا أن الرحلة استغرقت أكثر من ساعتين.

فيكفي أن تبتعد عن العاصمة كييف بضعة كيلومترات لتكتشف عالما آخرا وهو عالم الحرب. شاهدنا دبابات روسية (11 دبابة) دمرت واحترقت جراء قصف الطيران الأوكراني. بداخل واحدة منها، رأينا جثة مقاتل روسي احترقت وتحولت إلى رماد. المكان بات يستقطب العديد من الأوكرانيين الذين يأتون لمشاهدة الخسائر التي تكبدها الجيش الروسي.

“هذا هو جزاء من يستفز أوكرانيا”

وقال نيكولاي، أحد سكان العاصمة معلقا: “هذا هو جزاء من يستفز أوكرانيا ويحاول أن يتعدى عليها. الروس هم الذين اعتدوا علينا ونحن لقناهم درسا لن ينسوه أبدا”. وتابع:” أتمنى أن تبقى هذه الدبابات في هذا المكان وطول الزمان ويتحول هذا الموقع إلى موقع سياحي وحربي يذكر الأجيال القادمة بملحمة الجيش الأوكراني”.

دبابة روسية دمرت من قبل الطيران لأوكراني على الطريق المؤدي من كييف إلى بلدة بوروديانكا. بداخل الدبابة، جثة الجندي الروسي تحولت إلى رماد. 14 أبريل/نيسان 2022.

دبابة روسية دمرت من قبل الطيران لأوكراني على الطريق المؤدي من كييف إلى بلدة بوروديانكا. بداخل الدبابة، جثة الجندي الروسي تحولت إلى رماد. 14 أبريل/نيسان 2022. © طاهر هاني/ فرانس24

أخذنا بعض الصور ثم واصلنا طريقنا إلى بلدة بوروديانكا “الجريحة”. السكان فروا منها جميعا بسبب المعارك الضروس التي وقعت في الشوارع بين القوات الروسية والجنود الأوكرانيين الذي تصدوا لهم ومنعوهم من التقدم نحو العاصمة كييف. لكن الثمن كان غاليا.

فالقصف الروسي “العشوائي” كما وصفته فكتوريا التي تعمل في أحد فرق الإنقاذ تسبب في تدمير العمارات والمباني التي احترقت جراء هذا القصف. الناس غادروا منازلهم التي أصبحت أبوابها مفتوحة للرياح وللبرد القارس الذين يعصفان على البلدة.

الحزن سيد الموقف في هذه المدينة التي تحولت إلى خراب بعدما كانت في الماضي تستقطب سكان العاصمة كييف الذين كانوا يأتون إليها لقضاء أيام نهاية العطلة الأسبوعية وبعض السياح الذين يصلون عبر طائرات صغيرة خاصة تهبط في مطار المدينة.

مدينة بوروديانكا شمال كييف

رجل أمن أمام تمثال الشاعر الأوكراني تاراس شيفتيشينكو وسط المدينة. 14 أبريل/نيسان 2022. © طاهر هاني/ فرانس24

صعوبات في انتشال الجثث من تحت الأنقاض

لكن اليوم الصورة تغيرت بشكل كامل. فلا ترى يمينا ولا شمالا سوى الهدم والخراب ولا تسمع سوى ضجيج الجرافات التي تنتشل الحطام وحصى جدران المباني المدمرة. عشرات من رجال الإطفاء والإنقاذ يقومون بتدمير بقايا البنايات التي تهدد بالانهيار في أية لحظة.

وقال بوهدان دانيلوك، نائب مدير الإطفاء في منطقة كييف الذي يشرف على هدم البنايات الهشة: “نحاول حاليا نزع الأطراف الهشة لضمان سلامتنا. ونزيل الأنقاض ونتحقق من عدم وجود جثث تحت الأنقاض”. لكن زرع الألغام من قبل القوات الروسية في محيط المدينة وداخل المباني وحتى تحت الحطام جعلت انتشال جثث ضحايا المعارك صعبة للغاية.

وواصل: “لقد انتشلنا الأسبوع الماضي 22 جثة. لا يمر يوما دون أن ننتشل جثثا جديدة. أعتقد أن عشرات من المدنيين ما زالوا يقبعون تحت حطام المنازل والعمارات. لكن نخشى من انفجار الألغام المزروعة والتي تودي بحياة رجال ونساء فرق الإطفاء.. لهذا السبب هناك حاجة إلى وقت طويل لانتشال جميع الجثث”.

مدينة بوروديانكا شمال كييف

الحطام الناجم عن انفجار مستودع بمدينة بوروديانكا. فرقة الإنقاذ تقوم بتنظيف المستودع, 14 أبريل/نيسان 2022. © طاهر هاني/ فرانس24

عندما سيطرت القوات الروسية على مدينة بوروديانكا في بداية الحرب، حاولت أن تطمئن سكان المدينة وقالت لهم بأنهم ليسوا أعداء لروسيا بل أعداءها هم المقاتلون الأوكرانيون، لكن عندما اشتعلت المعارك في شوارع المدينة وجدوا أنفسهم وسط المعترك والنيران، ما تسبب في مقتل العديد منهم.

“لا يمكن أن أتخيل عودة الحياة إلى مدينة بوروديانكا”

وقال مواطن من هذه المدينة، “لم يعتدوا في البداية عن المدنيين لكن فيما بعد لم يسلم أحد منهم. فمثلا، أحد أصدقائي خرج على متن دراجة هوائية ليلا. ومنذ ذلك اليوم لا أدري أين هو”.

وواصل:” أسكن قرب مدرسة المدينة، لكن منزلي لم يتعرض إلى النهب خلافا للمنازل الأخرى إذ سرق الجنود الروس منها أكياسا من الخمر والمشروبات الكحولية وثياب الأطفال والملابس الداخلية للنساء وشاشات التلفزيون… نهبوا كل شيء”.


وتابع:” سألت جنديا من بيلاروسيا وقلت له ماذا تعمل هنا في أوكرانيا؟ فأجابني لا أدري”، منهيا: “طبعا سننتصر في هذه الحرب وسنعيد بناء بلادنا لكي تكون أحس من الماضي، لكن يا حسرتاه على الذين قتلوا بدون ذنب. هؤلاء لن يعودوا”.

أما لينا، التي تسكن في نفس المدينة، فلم تتمكن من الهروب في الأيام الأولى من احتلال الروس لمدينة بوروديانكا. بقيت مختبئة في قبو العمارة التي كانت تسكن فيها من 26 فبراير/شباط إلى غاية 6 مارس/أذار. “لكن عندما خرجنا من القبو من أجل الفرار إلى منطقة آمنة، رأينا طائرة حربية تحلق على بعض مترات من رؤوسنا وبصوت رهيب. زوجي قال لي عودي إلى القبو حالا. لكن عندما حاولت غلق باب القبو، وقع انفجار ضخم وارتفع دخان أسود في سماء بوروديانكا”.

وأنهت:” لقد قصفوا (الروس) المنازل والناس والمدارس. لم يكن هنا ولو جندي أوكراني واحد. قصفوا فقط المدنيين. لا يمكن أن أتخيل عودة الحياة إلى هنا. عندما أعود إلى المنزل أشعر بأنني لا أملك أي هدف في هذه الحياة”.

مدينة بوروديانكا شمال كييف

رئيس إستونيا ألار كاريس يقف على الدمار الذي خلفته القوات الروسية في زيارة ميدانية إلى مدينة بورديانكا مع نظيره من ليتوانيا. 14 أبريل/نيسان 2022. © طاهر هاني/ فرانس24

“مدينة بوروديانكا ترمز إلى  “وحشية” الجيش الروسي”

وأضاف فاسيلي، وهو مواطن من نفس المدينة: “ستعود الحياة إلى هنا. لكن لم أفهم لماذا قتلوا الناس ودمروا البلاد. حتى دعاة السلم ماتوا بدون أي سبب”.

في مدينة بوروديانكا، الحياة توقفت والمشاهد الحزينة كثرت. كالخيم العديدة التي نصبت في ساحة المدينة بجوار تمثال الشاعر الأوكراني الشهير تراس شيفشينكو، شاعر الطبقات الفقيرة والمغلوبين على أمرهم والذي ولد في 1814 بجنوب أوكرانيا.

منظمات الإغاثة هي التي نصبت الخيم لتقديم مساعدات غذائية والأدوية للعائلات التي عادت إلى منازلها. فمن الصباح إلى المساء، تصطف العائلات أمام الخيم وبشكل يومي لكي تأخذ كل واحدة منها نصيبها من المواد الغذائية والشموع في غياب الكهرباء في المنازل.

وتحدثت امرأة مسنة مع فرانس24 قائلة: “كنت أتمنى أن أعيش أيامي الأخيرة في الهناء بعد 45 سنة من العمل. لكن بوتين حرمني من ذلك ودمر كل ما أملكه وهي الشقة البسيطة التي تتواجد في إحدى العمارات التي احترقت جراء القصف الروسي. لن أغفر له مهما طالت الأيام”.

مثل بلدة بوتشا وإربين وهوستوميل، تحولت مدينة بوروديانكا إلى رمز “للوحشية” الروسية والتي ستترك آثارها لسنوات عديدة حسب لينا التي دمعت عيونها بكاء بسبب الدمار والخراب الذي لحق بمدينتها. فهل سيولد من جديد طائر العنقاء من رماده وتعود الحياة إلى هذه المدينة الصامتة؟

 

طاهر هاني، موفد فرانس24 إلى أوكرانيا

//platform.twitter.com/widgets.js


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى