آخر الأخبارأخبار دولية

هل “تلهب” شتائم وانتقادات اليمين المتطرف صناديق اقتراع الأحياء الشعبية؟


نشرت في: 14/03/2022 – 16:48

ظلت الأحياء الشعبية في فرنسا منذ سنوات تفضل الصمت على المشاركة في الانتخابات، لتعرضها لعدة خيبات من السياسات الحكومية المتعاقبة. وهذا العزوف عن التصويت، يجمع كل المراقبين أنه ليس في صالحها، ويصب في مصلحة أطراف سياسية محسوبة على اليمين المتطرف تحملها مسؤولية العديد من مشاكل البلاد. فتصريحات إيريك زمور الممثل لأحد جناحي هذا اليمين، أصابت هؤلاء السكان بـ”الصدمة”، والتي قد تكون أحدثت لديها رغبة أكيدة -هذه المرة- في التعبير عن صوتها بكثافة بالسباق الرئاسي. 

في كل انتخابات فرنسية تطفو إلى سطح النقاش إشكاليات بعينها، تتكرر كلازمة في حياة سياسية تغلغلت فيها أفكار اليمين المتطرف عاما بعد عام، وفقد فيها اليسار، خاصة منه التقليدي ممثلا في الحزب الاشتراكي، الكثير من بريقه، والذي تمنحه استطلاعات الرأي نسبا متواضعة جدا من التصويت في الاستحقاق الرئاسي المقبل. 

ويأتي في ريادة هذه الإشكاليات قضية الأحياء الشعبية التي يتنازعها معسكرا اليمين واليسار، وإن كان كل منهما يحمل مقاربة خاصة به في التعاطي معها. فاليمين عموما، لم يراهن عليها يوما لكسب الأصوات بل شكلت برأي المراقبين رأسمال سياسي يستخدمه في مثل هذه المناسبات في بعض الأحيان ببعد انتخابي، فيما تراجع اليسار فيها في السنوات الأخيرة رغم أنها ظلت تشكل أحد معاقله الانتخابية منذ أعوام طويلة. 

وتراجع اليسار في هذه الأحياء التي يقطنها بكثرة الفرنسيون من أصول عربية وأفريقية إضافة للمهاجرين، كان مرده أساسا “لفشل السياسات الحكومية فيها رغم الوعود التي قدمت لإخراجها من شتى أشكال الحرمان التي تتخبط فيه، ما خيب آمال شرائح واسعة” بها، وفق ما جاء في تفسير الإعلامي والمحلل السياسي مصطفى الطوسة لفرانس24، حتى أن جزءا من هذه الأحياء “العمالية” أصبح “ينظر لليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان أنه البديل”. 

أحياء “منسية” 

ووعيا منهم بما لرئيس البلاد من دور في إطلاق مشاريع بإمكانها تحسين ظروف الأحياء الشعبية، بادر رؤساء بلديات بضواحي باريس في نهاية يناير/ كانون الثاني إلى توجيه رسالة مفتوحة للمرشحين، طالبوهم فيها بالكشف عن برامجهم الانتخابية بخصوصها، لا سيما وأن هذه المناطق لم تلق الكثير من الاهتمام في مشاريع المقبلين على السباق الرئاسي.  

وحول دواعي هذه الرسالة، يفسر ستيفان بودي، عمدة إيفري كوركورون بضواحي باريس ورئيس رابطة رؤساء البلديات في “إيل دو فرانس”، في تصريح له قائلا: “لقد لاحظنا أن الضواحي ظلت منسية إلى حد كبير في الحملات الانتخابية الوطنية لفترة طويلة جدا”. 

للمزيد – الانتخابات الرئاسية الفرنسية: عظام القصر، حق الأرض، لم الشمل… ماذا يقترح كل مرشح حول ملف الهجرة؟

وتطلع الموقعون لعقد لقاءات مع المرشحين حول برامجهم الانتخابية بشأن سياسة المدينة. وفي هذا السياق، يشير بودي: “نأمل أن يستقبلنا كل مرشح للرئاسة حتى نتمكن من اطلاعهم على تطلعاتنا فيما يتعلق بسياسة المدينة”.

ويطلب المنتخبون من المرشحين في هذه الرسالة “التعبير بوضوح عن مقترحاتهم التي من الممكن أن تحسن مستقبل سكان هذه الأحياء”. وتطرح الرسالة الإشكاليات المرتبطة بهذه المناطق، كالتعليم والشباب والسكن السيء. 

كما يقدم هؤلاء المنتخبون أنفسهم أيضا كقوة اقتراحية، تملك جملة من الحلول لقضايا تخص مناطقهم الترابية، ولا ينقصهم لأجل تفعيلها على أرض الواقع إلا الدعم المادي للدولة، وخاصة في مجال التعليم والرياضة والثقافة.

كتلة ناخبة “راكدة” ويمين متطرف يتوسع  

لكن هذه التحركات لمسؤولين محليين لا تشكل ثقلا كبيرا في المعادلة الانتخابية، ولا يمكن أن يكون لها صدى كبيرا لدى المرشحين، إلا إذا كانوا محاطين بكتلة ناخبة، لا تترد في الإدلاء بصوتها عندما يحين الوقت لذلك.  

فهناك أطراف سياسية تدرك أن هذه الأحياء ليس لها وزن انتخابي بسبب العزوف عن التصويت فيها، ولا تقيم حسابات كثيرة لمواقفها نحوها بل تستغل تفاعلها السلبي مع الواقع السياسي في تحميلها كل المشاكل بأهداف انتخابية بالدرجة الأولى. 

فإذا كان اليمين المتطرف بوجهه “اللوباني” المعهود، الوالد سابقا جان ماري لوبان وابنته فيما بعد مارين، حزب “الجبهة الوطنية” ثم “التجمع الوطني”، يستغل كل فرصة لانتقاد هذه الأحياء، فالوافد الجديد على هذا الصف السياسي، وهو مرشح حزب “الاسترداد” إيريك زمور الذي عززت صفوفه حفيدة لوبان ماريون، أمعن في الراديكالية، وكانت انتقاداته لهذه الأحياء قاسية جدا.

ومعظم سكان هذه الأحياء فضلوا الدخول في شبه قطيعة مع الأحزاب السياسية التقليدية، خاصة الحزب الاشتراكي الذي ظلوا يصوتون له لسنوات، ومراقبة الحياة السياسية من بعيد في وقت تتزايد فيه شعبية اليمين المتطرف بشكل أصبح يطرح الكثير من الأسئلة. 

“فالنقلة والمنعطف الكبير ليس في اليمين المتطرف المعروف برئاسة مارين لوبان” يقول الطوسة، بل “جاء رجل اسمه إيريك زمور وأغرق هذه الأحياء بالشتائم والانتقادات وحمله مسؤولية الأزمة الفرنسية، وكل تصريحاته النارية كانت بمثابة تهديد بنشوب حرب أهلية في هذه الأحياء”.

هل تصوت الأحياء الشعبية فتدعم ميلنشون وماكرون؟

لكن هذا الإمعان في التطرف السياسي والإيديولوجي من قبل زمور “غير من المعادلة، وأصبح الكثيرون داخل هذه الأحياء يرون أن اليمين المتطرف بمثابة خطر على وجودهم، ويجب بطريقة أو بأخرى الذهاب بكثافة لمراكز الاقتراع للتصويت”، بحسب الطوسة. 

“وإذا صوتت هذه الأحياء فعلا بشكل واسع فهذا قد يصب في صالح مرشح اليسار المتشدد جان لوك ميلنشون”. فهو، يضيف الطوسة، “عندما يعلن أنه ‘هذه المرة يشعر بنوع من التفاؤل‘، فلأنه يراهن بشكل أو بآخر على هذه الأحياء التي تعيش عدة أشكال من الحرمان، ويمكن اليوم أن تأخذ مصيرها بيدها وتتوجه بكثافة إلى مراكز الاقتراع، وفي هذه الحالة قد يكون المستفيد هو ميلنشون، لأن المصوتين له يرون أنه يحمل البديل، وهو من يشكل في رأيهم صمام أمان أمام السهام الحادة والانتقادات اللاذعة لليمين المتطرف”. 

وليس ميلنشون لوحده من يمكن أن يحصد أصواتا كبيرة من الأحياء الشعبية، بل يرى الطوسة أنه “يمكنها أن تصوت لماكرون أيضا، لأنه قاد البلاد وأدار أزمات بطريقة فعالة وذكية” إضافة إلى رفضه الدائم في جميع المحطات السياسية لخطاب اليمين المتطرف. 

وهذه التعبئة الممكنة وسط سكان الأحياء الشعبية للتصويت في الانتخابات الرئاسية، أحدثت، بحسب الطوسة، بفعل “الصدمة التي تسببت فيها التصريحات النارية والملتهبة لإيريك زمور، والذي استهدف بطريقة واضحة الفرنسيين الأفارقة والعرب والمسلمين، وجعلهم شماعة علق عليها كل المشاكل الفرنسية”. 

 

بوعلام غبشي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى