آخر الأخبارأخبار دولية

بودابست: عائلات تفتح أبوابها أمام الفارين من الحرب في أوكرانيا (3/3)

إلى العاصمة الهنغارية بودابست، يصل الفارون من الحرب الأوكرانية في حالة من الصدمة والإنهاك، يحتاجون إلى أخذ قسط من الراحة لاستيعاب ما مرّ عليهم أولا، ثم معرفة الخطوة التالية. الكثير من العائلات الهنغارية تقدم الدعم وتفتح منازلها لاستقبال النازحين لبضعة أيام، لكن لا يمكن اعتبار ذلك سوى حل مؤقت يثير شكوك البعض حيال مدى قدرة المجتمع المدني على الاستمرار بتحمل مسؤولية الاستقبال، في ظل سياسة الهجرة المتشددة التي انتهجتها الحكومة على مدى السنوات الماضية.

دانا البوز، موفدة خاصة إلى الحدود الأوكرانية المجرية

أمام خيمة بيضاء مليئة بأطعمة مخزنة وثياب ومستلزمات أساسية، يحمل محمد الثلاثيني عربة للأطفال ويعبر الشارع إلى داخل محطة قطارات العاصمة الهنغارية بودابست، وإلى جانبه المتطوعة براءة التي تساعده في الترجمة والتواصل مع الجمعيات المحلية الموجودة في المكان.

“وصلت للتو من مدينة خاركيف الأوكرانية بعدما أُجبرنا على مغادرة منزلنا منذ حوالي أسبوع”، يقول الشاب المصري لفريق مهاجرنيوز والإنهاك باديا على وجهه، بعدما أمضى رحلة مضنية برفقة زوجته الأوكرانية آلونا وطفلهما الأصغر ياسين الذي يبلغ 11 شهرا وكاميليا البالغة من العمر ثلاث سنوات، قبل الوصول أخيرا إلى محطة زاهوني الحدودية شمال غرب المجر، ومنها إلى العاصمة بودابست عبر القطار.

للمزيد>>> قطارات محمّلة بالفارين من الحرب الأوكرانية إلى المجر.. “ركضت كثيرا قبل أن أصل إلى هنا”(1/3)

الشاب المصري الذي كان يعيش في أوكرانيا منذ حوالي تسع سنوات وجد نفسه فجأة مشردا هاربا من الموت. “كنت أملك مطعما في المدينة وكل شيء يسير جيدا. بين ليلة وضحاها خسرنا كل شيء”، يقاطعه بكاء ابنه الصغير بين ذراعي زوجته، التي لا تزال تحاول استيعاب ما مرت به، لا سيما وأن والديها لم يريدا ترك بيتهم والخروج من المدينة التي تتعرض لقصف عنيف من قبل القوات الروسية.

محطة قطارات بودابست مليئة بالفارين من الحرب الأوكرانية.

قطارات تصل إلى بودابست على مدار الساعة

يضع الشاب المصري ابنه في عربة الأطفال التي حصل عليها بفضل تبرعات من سكان محليين، “خرجنا من بيتنا بحقيبة صغيرة وضعنا فيها بعض الثياب، لم يكن لدينا لا الوقت ولا الإمكانية لتوضيب أغراضنا”. لكن الجمعيات في المدينة كانت حاضرة لتلبية الاحتياجات قدر المستطاع، وقالت الشابة الهنغارية آنا (19 عاما) “نريد جميعنا مساعدة الفارين من الحرب. وصراحة، كانت لدينا تبرعات فائضة عن الحاجة اليوم”، تبتسم قائلة، “لحسن الحظ نحن هنا لتقديم بعض الدعم لهؤلاء الأشخاص”.

يبدو كل شيء منظما في الباحة الخلفية للمحطة، وتوجد خيمة كبيرة مليئة بشباب يسألون الوافدين عن احتياجاتهم ويساعدونهم. إذ يصل، على مدار الساعة، الفارون من أوكرانيا عبر قطارات تمر بشكل أساسي من مدينة زاهوني الحدودية، ومن ثم إلى العاصمة بودابست، والتي تعتبر محطة أساسية لهم، من أجل إكمال طريقهم إلى مدن أخرى أو للبقاء أياما قليلة وأخذ قسط من الراحة بعد رحلتهم المضنية.

الشابة السورية براءة (29 عاما)، التي تعيش في المجر منذ حوالي ثلاث سنوات، لم تنم الليلة الماضية، تبتسم قائلة “أمضيت آخر 12 ساعة في محطة القطار”.

الشابة السورية براءة تقدم المساعدة في الترجمة للهاربين من الحرب الأوكرانية إلى العاصمة الهنغارية.
الشابة السورية براءة تقدم المساعدة في الترجمة للهاربين من الحرب الأوكرانية إلى العاصمة الهنغارية.

بينما تمتلئ المحطة بالهاربين من مختلف المدن الأوكرانية، تحاول الشابة براءة التي تكمل اختصاصها الدراسي في جامعة بودابست ضمن مجال علم الآثار، مساعدة الوافدين عبر تقديم المعلومات لهم باللغة العربية أو الإنكليزية، “بعدما أنهيت صفوفي مساء أمس أتيت إلى المحطة لتقديم المساعدة خصوصا وأن الكثير من الطلاب العرب يواجهون صعوبات بسبب اللغة، كما أنهم متعبون وبحاجة إلى أي شخص يقدم لهم المساعدة”.

800 عائلة هنغارية فتحت أبوابها لاستقبال الفارين من الحرب

تحت الخيمة الكبيرة في الباحة الخلفية للمحطة، يجلس الشاب آندراس على مقعد خشبي، يرتدي سترة حمراء ويتكلم عبر الهاتف، ما إن ينهى اتصالا حتى يتلقى آخر، وإلى جانبه تجلس أربع متطوعات خلف شاشات حواسبهن المحمولة، جميعهن منهمكات في العمل.

يحاول هؤلاء الشبان والشابات المتطوعين في منظمة “Migration Aid” بشكل أساسي تأمين أماكن للنوم للراغبين في البقاء قليلا في العاصمة الهنغارية، قبل إكمال طريقهم. “رأينا أن هناك حاجة ماسة لمساعدة الوافدين في إيجاد غرف أو بيوت مؤقتة ليتمكنوا من النوم قليلا”.

أندراس سيويرت مؤسس منظمة Migration Aid في محطة بودابست
أندراس سيويرت مؤسس منظمة Migration Aid في محطة بودابست

على صفحتهم على موقع فيسبوك، يتلقون يوميا مئات العروض من السكان الهنغاريين الراغبين في فتح بيوتهم لاستقبال الوافدين بضعة أيام. يقول مؤسس المنظمة غير الحكومية آندراس “لدينا حاليا 800 عائلة مستعدة لاستقبال أشخاص في منازلها”. وهناك متطوعون لنقل المحتاجين بسياراتهم من المحطة إلى أماكن مختلفة ضمن المدينة أو إلى المطار مثلا. وتعمل المنظمة التي تضم حوالي 100 متطوع على تنظيم قاعدة بيانات تضع فيها طلبات المحتاجين للسكن والعروض المتوافرة لهم.

أغلقت الحكومة عمدا مراكز الاستقبال المخصصة لطالبي اللجوء

المجتمع المدني في العاصمة بودابست أبدى رغبته في مساعدة القادمين من الدولة الجارة أوكرانيا، وكما في القرى الحدودية يقع عاتق الاستقبال بشكل كبير على الجمعيات والبلديات والمنظمات غير الحكومية، أما الحكومة فتبدو أنها أقل انخراطا في كل ذلك.

للمزيد>>> قرى هنغاريا الحدودية.. أعداد متزايدة من النازحين الأوكرانيين ومتطوعون منهكون(2/3)

تقول المحامية العاملة في لجنة “هلسنكي المجرية”، غروزا ماتيفتشيتش، “على مدى سنوات أغلقت حكومة أوربان عمدا مراكز الاستقبال المخصصة لطالبي اللجوء في جميع أنحاء البلاد”. وتؤكد الناشطة في المنظمة غير الحكومية أنه منذ بداية الحرب في أوكرانيا، “المجتمع المدني والكنائس والبلديات هم الذين يوفرون أمكنة للنازحين إما في بيوت أو مدراس أو جامعات”.

سنتمكن أخيرا من النوم قليلا والتفكير فيما سنفعله لاحقا

تبحث براءة عن الشاب المصري في المحطة لإعلامه بخبر علّه يخفف من وطأة ما يمر به. تجده أخيرا عند إحدى الحافلات التي تحولت إلى مكان استراحة للاجئين المنهكين، وتقول له “هناك عائلة مستعدة لاستقبالكم فورا”.

ففي ظل سياسة الهجرة المتشددة التي يتبعها فيكتور أوربان، لم تعد توفّر الدولة سوى خدمات محدودة جدا لطالبي اللجوء والمهاجرين. ومع عدم وجود مراكز استقبال في العاصمة الهنغارية، خصصت محطة القطارات حافلات مدفّأة لمساعدة الوافدين على تحمل درجات الحرارة المتدنية لا سيما ليلا.

حافلات مدفأة أمام محطة القطارات تحولت لاستراحة للنازحين الوافدين من أوكرانيا.
حافلات مدفأة أمام محطة القطارات تحولت لاستراحة للنازحين الوافدين من أوكرانيا.

خلال أقل من نصف ساعة يصل أحد السائقين المتطوعين ويساعد العائلة بوضع أغراضها في سيارته، ويوصلهم إلى منزل الشاب الأمريكي كريستوفور وزوجته الهنغارية وابنهما بينجامين البالغ من العمر ثلاث سنوات.

يأخذ الشاب الأمريكي العائلة في جولة سريعة في المنزل، ويريهم غرفة النوم حيث يضعون على الفور طفلتهم كاميليا التي سرعان ما دخلت في نوم عميق. يقول الشاب الأمريكي الذي يعمل مدرس لغة إنكليزية في بودابست “أقل ما يمكننا فعله هو استقبال هؤلاء الأشخاص. لا أستطيع أن أتخيل مدى صعوبة الأمر لا سيما على الأطفال. بين لحظة وثانية عليك ترك كل شيء. إنه أمر مروع”.

حلول مؤقتة

قبل محمد وآلونا، كان كريس استقبل في منزله، بضعة أيام، عائلة نيجيرية هربت أيضا من الحرب في أوكرانيا، ومرت في العاصمة الهنغارية قبل أن تكمل طريقها.

محمد وآلونا وطفلاهما يصلون أخيرا إلى منزل كريستوفور للاستراحة قليلا.
محمد وآلونا وطفلاهما يصلون أخيرا إلى منزل كريستوفور للاستراحة قليلا.

رغم الإنهاك والتعب الباديان على وجه محمد وآلونا إلا أن ابتسامة ارتسمت على وجههما أثناء تعرّفهما على كريس ووضع أغراضهما، “سنتمكن أخيرا من النوم قليلا والتفكير فيما سنفعله لاحقا. لربما نذهب إلى ألمانيا أو حتى إلى مصر. لا أعلم حقا ما الذي سنفعله”.

التعاطف يبدو واضحا من قبل السكان الهنغاريين الذين رحبوا بالأوكرانيين خلال الأسبوعيين الماضيين، لكن حتى الآن يبقى ذلك ضمن نطاق محدود ولا يمكن اعتبار المبادرات المجتمعية سوى حلول مؤقتة بحاجة إلى دعم حكومي أكبر لإدارة استقبال الأعداد المتزايدة من النازحين.

تساؤلات حول ما تنوي الحكومة فعله

مثل كريستوفور، فتحت أيضا عائلة هنغارية منزلها لاستقبال النازحين من أوكرانيا. ومنذ بضعة أيام تستضيف أدريان زميلتها التي تعمل لصالح شركة الاستشارات نفسها.

فيما يلعب ابنها البالغ 7 سنوات في غرفة المعيشة، تجلس أدريان برفقة زوجها مارتون حول طاولة الطعام وإلى جانبهما المرأة الأربعينية إينا التي نزحت من العاصمة الأكرانية برفقة طفلها البالغ 11 عاما، يسكبان لها بعض الشاي ويحاولان التحدث معها باللغة الإنكليزية علّها تروّح عن نفسها قليلا.

الزوجان الهنغاريان يستقبلان في منزلهما إينا الأوكرانية وطفلها.
الزوجان الهنغاريان يستقبلان في منزلهما إينا الأوكرانية وطفلها.

لكن إينا كانت منهارة تماما ولم تستطع السيطرة على مشاعرها أو إخفاء خوفها على زوجها الذي بقي وحيدا في كييف. استأذنت إينا الزوجين وذهبت إلى غرفة خصصها الزوجان لها ولابنها.

يتحدث الزوجان الهنغاريان عن ضرورة مساعدة الأوكرانيين لكنهما يعترفان أيضا بصعوبة التعامل مع الفارين من الحرب والذين لا يزالون تحت تأثير صدمة ما مروا به خلال الأيام الماضية. يقول مارتون “أحيانا لا نعرف ما الذي علينا قوله، ولا نستطيع حتى أن نقول أننا نفهم تماما ما حصل معهم”.

ويشير الزوجان إلى أنه ليس من السهل دائما أن تفتح منزلك لمشاركته مع الغرباء، “لدينا أيضا ابننا الذي يبدو أنه لا يفهم تماما ما الذي يجري. كل يوم يرى وجوها غريبة في منزلنا وبات سؤاله الأول فور استيقاظه هل أستطيع الدخول إلى غرفة المعيشة أم أن لدينا ضيوفا”، تبتسم أدريان مضيفة “نحاول شرح الأمر له لكن استيعاب ما يجري، ليس سهلا على طفل بعمر 7 سنوات”.

لا تعلم هذه العائلة الهنغارية إلى متى ستستمر في فتح منزلها للأوكرانيين، فلم يمر على الحرب سوى أيام معدودة والأمم المتحدة تقدّر أن يتجاوز عدد النازحين خمسة ملايين. يتساءل الزوجان عما تنوي الحكومة فعله حيال ذلك، لكنهما غير واثقين تماما بسياسة الدولة المتشددة تجاه المهاجرين.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى