آخر الأخبارأخبار دولية

نزوح كثيف نحو الأرياف في أوكرانيا… “هنا لن نضطر للعيش داخل الأقبية”

نشرت في: 09/03/2022 – 16:19

تسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا في أكبر نزوح بشري شهدته أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. فتزامنا مع قيام الجيش الأوكراني بتعزيز الدفاعات حول المدن، يلجأ العديد من سكان المدن إلى الأرياف حيث الإحساس بالأمان أكبر، لا سيما بفضل قدرة الوصول للإمدادات الغذائية، ما يجعلهم مصممين على الصمود لفترة أطول.

انتقال السكان من المدن إلى الأرياف ظاهرة سجلت عبر الأزمان خلال أوقات الحرب، وهو أمر يصح مجددا في أوكرانيا اليوم. فبعد أسبوعين على انطلاق الحرب الروسية، غادر أكثر من مليوني أوكراني باتجاه الاتحاد الأوروبي ومولدافيا. لكن أعدادا أكبر غير محددة بشكل دقيق، لجأت إلى الأرياف بحثا عن الحماية لدى الأقارب أو في مكان إقامتهم الثانوية.

في هذا الإطار، تحدثت عالمة الاجتماع آنا مارتسينكيف، التي تعيش على بعد 40 كيلومترا من كييف في بيت صغير في أوبوخيف، إلى فرانس24 قائلة: “من الأسهل بكثير البقاء على قيد الحياة خارج المدن. فهنا أشعر بأمان أكثر في منطقة معزولة، ولا أرى سببا كي يأتي الجنود ويهدرون الذخيرة والوقت للسيطرة على هذا المكان”.

وقد ذكّرها الهجوم الروسي بقصص أجدادها القديمة والتي تعود إلى الحرب العالمية الثانية، فقد لاحق النازيون والسوفيات على حد سواء المقاومين من عائلتها. لذلك رأت أن الانتقال إلى الريف كان أمرا ضروريا لعدم لفت الأنظار.

منزل في الريف بالقرب من أوبوخيف، على بعد حوالي أربعين كيلومترا جنوب كييف. © مهدي شبل

وبعد مرور حوالي ثمانين عاما، لم تنس مارتسينكيف الدروس من قصص الماضي. فقد تقدم زوجها، الذي انخرط في أعمال المقاومة، طلبا للحصول على سلاح ناري. لكن عندما تكون في المنزل بمفردها، فإن إحساسها الشخصي بالأمان يعود أساسا لوجود كلابها الثلاثة إلى جانبها.

وحول هذا توضح مارتسينكيف: “من إيجابيات في الريف أيضا، أنه بإمكاننا تربية الكلاب. هم بمثابة جيش لي، ينبهوني عن أي اقتحام وبإمكانهم ردع الأشخاص السيئين”. وتتابع: “كما أنهم يمنحوني طاقة إيجابية، ويعطوني حبا غير مشروط… وهذا أمر مهم للحفاظ على المعنويات”.

تشعر آنا مارتسينكيف بأمان أكبر في الريف، وذلك على وجه الخصوص بسبب وجود كلابها إلى جانبها.

تشعر آنا مارتسينكيف بأمان أكبر في الريف، وذلك على وجه الخصوص بسبب وجود كلابها إلى جانبها. © مهدي شبل

التموين من خارج المتاجر الكبرى

فجأة، يدوي نباح كلاب في الخارج ينبه إلى دخول شخص ما حديقة المنزل. وبالفعل، فقد أتت الجارة سفيتلانا كراتشينكو، حاملة معها بيضا طازجا. فواحدة من مزايا الريف الأساسية تكمن في القدرة على تأمين الوصول إلى الإمدادات الغذائية خارج الإطار المعتاد. وقد أغلقت أسواق معظم المنتجات الطازجة المحلية أبوابها، ونفد مخزون منتجات رئيسية عدة داخل المتاجر الكبرى.

أصبح من المستحيل العثور على المعكرونة أو الأرز أو المعلبات في بعض المتاجر

أصبح من المستحيل العثور على المعكرونة أو الأرز أو المعلبات في بعض المتاجر © مهدي شبل

كما كشفت جولة على إحدى المتاجر الكبرى في أوبوخيف، على بعد حوالي عشر دقائق، مشاهد لا تصدق. فقد أفرغت أرفف المعلبات والمعكرونة والأرز بشكل الكامل. كما نفدت الفواكه والخضار الأكثر استخداما في الأطباق الأوكرانية… فأصبح من المستحيل العثور على بصلة واحدة أو جزرة.

قسم الفواكه والخضروات الطازجة في متجر في أوبوخيف

قسم الفواكه والخضروات الطازجة في متجر في أوبوخيف © مهدي شبل

أما اللافت كان أرفف الحلويات التي بقيت ممتلئة، كما أن بعض الفواكه مثل الأناناس والمانغا متوفرة أيضا. وفي اليوم الرابع عشر من الحرب، لا تزال إمدادات الخبز تعمل بشكل متدهور.

أرفف الحلويات بقيت ممتلئة

أرفف الحلويات بقيت ممتلئة © مهدي شبل

من جهتها، لم تنتظر سفيتلانا كراتشينكو انقطاع الإمداد لبدء تحضير الخبز في المنزل. فقد ذكرت عاملة التنظيف، التي كانت قبل الحرب تقوم برحلات منتظمة إلى العاصمة للعمل، في حديث مع فرانس24 أنها “قررت الشروع في تحضير الخبز في المنزل منذ اليوم الثالث للحرب، بعد الاطلاع على الوصفات على الإنترنت”.

وأضافت هذه المرأة الخمسينية: “لاحظت أن الناس بدأت بمغادرة كييف قبل أسبوعين من الهجوم الروسي. وكان لدينا مخزون جيد من الطعام في المنزل، لذلك كانت أولويتي تأمين أدوية القلب لزوجي. يمكننا الآن البقاء هنا وعدم الابتعاد كثيرا عن المنزل”.

مخللات ومونة في إحدى منازل أوبوخيف

مخللات ومونة في إحدى منازل أوبوخيف © مهدي شبل

حديقة خضار، ومعلبات وبئر

ويحتوي منزل كراتشينكو التي تعيش فيه منذ 30 عاما على مخزون كاف من الطعام يحسدها عليه العديد من الفارين. فبالإضافة إلى الدجاج الذي يؤمن بيضا طازجا ومصدرا أساسيا للبروتين، يوجد لديها أيضا حديقة خضروات تسمح لها في فصلي الربيع والصيف بحصاد البطاطا والملفوف والبصل وخضروات أخرى مشهورة جدا في المطبخ الأوكراني.

كما حافظ سكان الأرياف على عادة موروثة من الحقبة السوفياتية، وهي تخزين الخضار المخللة.

وأكملت كراتشينكو: “قمت مسبقا بتخزين كميات قليلة من الأشياء الأساسية مثل المعكرونة والأرز والعدس والحنطة السوداء، وكيس من الطحين وزنه 50 كيلوغراما”، وتابعت بابتسامة: “لا أعرف كم من الوقت سيكفينا، سنرى”.

وتمتلك كراتشينكو أيضا بئرا في أرضها، لكن المضخة الكهربائية لا تعمل في حال انقطاع التيار الكهربائي، كما أن المولدات الكهربائية غير منتشرة بكثرة في المناطق الريفية الأوكرانية.

سيرغي وهو يسحب المياه من البئر الموجود جنب منزله، بالقرب من أوبوخيف

سيرغي وهو يسحب المياه من البئر الموجود جنب منزله، بالقرب من أوبوخيف © مهدي شبل

من جانبه، لا يعاني سيرغي، وهو جندي سابق يعيش على بعد 200 متر، من هذه المشكلة. فبئره الذي أقيم على الطريقة القديمة يعمل بشكل مثالي وبالتالي يحافظ على مصدر مياه مستمر. وقد انتقل إلى هنا منذ ستة أشهر بعد أن اشترى منزلا محاطا بحديقة خضروات كبيرة، ليعيش فيه مع والدته المسنة وكلابها الاثني عشر.

ويرى سيرغي أنه “هذا الأمر مهم” بالنسبة له، “لأن تكلفة المياه قد ترتفع مع استمرار الحرب”، مؤكدا أنه لا يخشى انقطاع الطعام في هذا المكان. ويتابع: “لو بقينا في المدينة، لكنا أجبرنا على الاختباء في الأقبية أو الملاجئ. هنا في الريف، نتمتع بحرية أكبر”.

 

مهدي شبل

اقتباس: فؤاد المطران


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى