آخر الأخبارأخبار دولية

قرى هنغاريا الحدودية.. أعداد متزايدة من النازحين الأوكرانيين ومتطوعون منهكون(2/3)

من أوكرانيا التي تشهد حربا دامية، يصل يوميا آلاف الفارين إلى الدولة الجارة هنغاريا، ويعمل سكان المناطق الحدودية جاهدين من أجل إدارة واستقبال هذه الأعداد المتزايدة، لكن السلطات المحلية تتخوف من القادم، فيما قال عمدة مدينة زاهوني الحدودية “نحن متروكون هنا لوحدنا، الجهات المحلية هي التي تتولى إدارة واستقبال الوافدين لكن ليست لدينا الموارد الكافية”.

دانا البوز، موفدة خاصة إلى الحدود الأوكرانية الهنغارية

لا تتوقف الكلبة لونا عن القفز فيما تحاول ماريا تهدئتها وطمأنتها بأن كل شيء بات على ما يرام، فهما باتتان في مأمن من القصف التي تعرضت له مدينتهما زيتومير على بعد 150 كيلومترا غرب العاصمة الأوكرانية كييف.

وصلت ماريا برفقة والدتها عند الساعة الخامسة صباحا بعدما أمضت رحلة مضنية وصولا إلى قرية برغسوراني الحدودية شمال غرب هنغاريا. القرية الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 600 شخص فتحت أبوابها لاستقبال النازحين، وحولت المركز الوحيد المخصص للأنشطة الثقافية والرياضية إلى ملجأ طارئ، حيث يتمكن الوافدون من الحصول على قسط من الراحة لبضعة ساعات أو حتى ليالي.

ماريا ويانا مع الكلبة لونا في مركز استقبال برغسوراني الحدودي. الصورة: دانا البوز /مهاجرنيوز

عائلات مشتتة تأخذ قسطا من الراحة بعد عبور الحدود

تجلس الشابة الأوكرانية البالغة من العمر 18 عاما على أحد الأسرة المؤقتة في صالة رياضية تستطيع أن تستوعب حوالي 100 شخص من الهاربين من المعارك الدامية في أوكرانيا مع تقدم القوات الروسية باتجاه وسط وشرق البلاد. إذ وصل عدد النازحين إلى دول الجوار إلى أكثر من مليون ومئتي ألف شخص خلال أقل من عشرة أيام. وتشترك المجر مع أوكرانيا بحدود يبلغ طولها 140 كلم، وتضم خمسة نقاط عبور حدودية، ثلاثة منهم شمال غرب المجر. وبحسب آخر أرقام مفوضية اللاجئين، عبر إلى المجر 145 ألف نازح من المدن الأوكرانية، خلال الأيام العشرة الماضية.

نقاط عبور حدودية في هنغاريا يصل إليها الفارون من الحرب الأوكرانية
نقاط عبور حدودية في هنغاريا يصل إليها الفارون من الحرب الأوكرانية

يصل النازحون إلى نقطة عبور برغسوراني مشيا على الأقدام أو عبر السيارات، وفيما لا تسمح السلطات للصحفيين الاقتراب من الحدود، يمكن للجمعيات المحلية من جلب الوافدين عبر السيارات من الحدود إلى المركز الذي يبعد بضعة دقائق عن نقطة العبور.

فيما تمسك ماريا هاتفها المحمول المليء بفيديوهات وصور الدمار التي شهدته قبل الفرار من بيتها، تطلب من صديقتها يانا الانتباه إلى الكلبة التي لا تلبث بمكانها لأكثر من ثواني، بابتسامة خجولة تقول الشابة التي تبلغ 16 عاما “تعرّفنا على بعض أثناء هروبنا من المدينة وأصبحنا أصدقاء”.

تمكنت يانا من الهرب إلى هنغاريا مع والدها ووالدتها، فيما اضطرت ماريا ووالدتها الانفصال عن والدها الذي بقي في البلاد للدفاع عن مدينته، حسبما قالت الشابة. ولا تسمح السلطات الأوكرانية للرجال الذين تعتبرهم مؤهلين لأداء الخدمة العسكرية بمغادرة البلاد. وتنوي الشابتان إكمال طريقهما إلى النمسا، فأصدقاء عرضوا على ماريا العمل في مزرعة، “كنت بدأت دراستي في تصميم الرقص، لكن الأولوية بالنسبة لي حاليا هي العثور على عمل”، فيما تقول يانا أنها تأمل بإكمال تعليمها في المدرسة الثانوية.

للمزيد>>> قطارات محمّلة بالفارين من الحرب الأوكرانية إلى المجر.. “ركضت كثيرا قبل أن أصل إلى هنا”

في باحة المركز، يتجمع عشرات الأشخاص الذين يبدون منهمكين في تقديم المساعدة للوافدين، تقف مجموعة من المتطوعين من سكان القرية خلف طاولة خشبية عليها بعض الأطعمة، تقول إحدى المتطوعات لمهاجرنيوز “نحاول أنا وأصدقائي تقديم المساعدة للجميع”. لكن المتطوعين ليسوا فقط من هذه القرية، وإنما أشخاصا قدموا من مدن أخرى لتقديم العون أيضا.

يقف الرجل الأربعيني أتيلا توزاريكو مع مجموعة من أصدقائه، “جئنا يوم السبت الماضي من مدينة ميشكوك التي تبعد 200 كيلومتر عن هنا. نريد تقديم العون قدر المستطاع”، يقول أتيلا الذي يعمل كأستاذ جامعي متخصص بالتاريخ، “نمر بأزمة إنسانية ولا نستطيع تجاهل هذا الوضع وإكمال حياتنا دون التصرف. وآمل أن يتحرك جميع الهنغاريين لمساعدة اللاجئين”.

على بعد حوالي 50 كلم من هذه القرية، تحاول أيضا مدينة زاهوني الحدودية استيعاب الفارين من المعارك، والذين يصلون إليها عبر قطارات تغادر أوكرانيا كل بضع ساعات. وفتحت مدرسة تقنية أبوابها لهؤلاء الأشخاص المتعبين وحولت صفوفها الدراسية إلى أماكن راحة. وفي إحدى الغرف المخصصة للأمهات المصحوبات بأطفال رضّع، تجلس الأم الثلاثينية غالينا مع طفلها إينيات ذو الأربعة أشهر وتعطيه زجاجة الحليب، “هربت وحيدة مع طفلي من مدينة أوديسا، فيما بقي زوجي هناك لأنه مسجل على لائحة الاحتياط للخدمة العسكرية. هو يبلغ 40 عاما لذلك لم يشارك بالقتال بعد”.

الأم الأوكرانية غالينا وطفلها الرضيع إينيات في المدرسة التقنية في مدينة زاهوني الحدودية شمال غرب هنغاريا. الصورة: دانا البوز /مهاجرنيوز
الأم الأوكرانية غالينا وطفلها الرضيع إينيات في المدرسة التقنية في مدينة زاهوني الحدودية شمال غرب هنغاريا. الصورة: دانا البوز /مهاجرنيوز

متطوعون منهمكون

هذه المدرسة التقنية التي باتت تستقبل الوافدين بالتنظيم مع البلدية، تستطيع استيعاب أكثر من 200 شخص. فخلال أيام معدودة تمكن السكان من وضع أسرّة مؤقتة في الصالات الكبيرة وتخصيص صالات مخصصة لتخزين الطعام وأخرى من أجل الطهي. فالجميع يصل إلى هنغاريا بعد رحلة مضنية لأيام طويلة.

أنام حوالي أربع ساعات كل ليلة

إحدى المعلمات في المدرسة (تتحفظ عن ذكر اسمها)، قالت لمهاجرنيوز “للمرة الأولى في حياتي أشعر بأنني أقدم فائدة قيّمة بهذا الشكل”، فالمرأة الأربعينية تتكلم أربع لغات (الإنكليزية والهنغارية والأوكرانية والروسية) وتساعد القادمين بشكل خاص على فهم الإجراءات، “أنام حوالي أربع ساعات كل ليلة. في الصباح أعطي الدروس وبعد الانتهاء آتي إلى المركز ومساء أذهب إلى محطة القطارات. هناك دائما أشخاص بحاجة لمساعدتنا”.

النوم لساعات قليلة يبدو أنه أصبح أمرا اعتياديا في هذه المنطقة، فالعمدة لازلو هيلمتشي يبدو شاحب الوجه لكنه رغم ذلك لا يزال مليئا بالطاقة لمساعدة الجميع، يرفع هاتفه مبتسما مشيرا إلى عدد الاتصالات التي يتلقاها يوميا، “الأشخاص الذين يأتون إلى هنا عبر القطار بحاجة لمساعدة قبل أن يكملوا طريقهم، وبعضهم ليس لديه جواز سفر بيومتري يمكّنه من السفر إلى باقي الدول الأوروبية”، وتنقل الشرطة هؤلاء الأشخاص إلى مخفر سيغاند لإعطائهم التصاريح اللازمة، لذلك قد يبقى الأشخاص بضع ساعات أو أيام قبل أن يتمكنوا من إكمال وجهتهم.

عمدة مدينة زاهوني الحدودية لازلو هيلمتشي. الصورة: دانا البوز /مهاجرنيوز
عمدة مدينة زاهوني الحدودية لازلو هيلمتشي. الصورة: دانا البوز /مهاجرنيوز

غالينا وطفلها يبدو أنهما سيمضيان الليلة في هذا المركز، “أنتظر والدتي التي تكمل الإجراءات في مركز للشرطة من أجل الحصول على وثائق سفر. نريد إكمال الطريق سوية للذهاب إلى ألمانيا عند بعض الأصدقاء”.

 هل ستبقى هذه القرى قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من النازحين؟

في قرية لونيا الحدودية والتي تقع بين بيرغسوراني وزاهوني، خصصت البلدية أيضا بناء لها وسط القرية، فيه صالة كبيرة تملأها طاولات عريضة إلى جانبها متطوعون يحضّرون بعض الوجبات الساخنة لتوزيعها على الوافدين، يقول توث القادم من مدينة مجاورة “وصلت يوم الأحد إلى هنا لتقديم المساعدة وبشكل خاص من أجل الترجمة، لا سيما وأنه لا يوجد الكثير من الأشخاص هنا الذين يجيدون اللغة الإنكليزية”.

صالة خصصتها بلدية قرية لونيا الحدودية لاستقبال الفارين من الحرب الأوكرانية. الصورة: دانا البوز /مهاجرنيوز
صالة خصصتها بلدية قرية لونيا الحدودية لاستقبال الفارين من الحرب الأوكرانية. الصورة: دانا البوز /مهاجرنيوز

الشاب العشريني الذي يدرس طب الأسنان ترعرع في هذه القرية، “أمضيت طفولتي هنا، لذلك من الطبيعي بالنسبة لي أن أساعد قدر المستطاع، خاصة وأن هناك الكثير من الطلاب الأجانب الذين يلجؤون من أوكرانيا ويواجهون صعوبات في اللغة”.

المئات يعبرون من هذه القرية يوميا بحسب الشاب، وأشار إلى غرفة مجاورة قائلا “يستطيع حوالي 20 شخصا من النوم هنا، ولدينا 40 مكانا إضافيا في بناء آخر يمكن أن نستخدمه إن لزم الأمر”.

سكان هذه القرى كانوا قادرين على إدارة هذه الأزمة بشكل منظم للغاية، واستطاعوا تأمين أماكن للنوم إضافة إلى الطعام، لكن كل هذه المنشآت تبقى مؤقتة لا يمكن الاعتماد عليها بشكل دائم، كما أن أغلب المتطوعين الذين يخصصون وقتهم للمساعدة لديهم أشغال أخرى.

نازحون أوكرانيون يصلون إلى محطة قطارات زاهوني الحدودية شمال غرب هنغاريا. الصورة: دانا البوز /مهاجرنيوز
نازحون أوكرانيون يصلون إلى محطة قطارات زاهوني الحدودية شمال غرب هنغاريا. الصورة: دانا البوز /مهاجرنيوز

في مدينة زاهوني مثلا، تحولت دروس طلاب المدرسة التقنية التي فتحت أبوابها للنازحين إلى العالم الافتراضي، لكن من المؤكد أنه لا يمكن لهذه المدرسة أن تعتمد كليا على التعليم عبر الإنترنت لفترة طويلة.

يتساءل عمدة زاهوني عما سيكون عليه الوضع في حال ازدادت الأعداد، “نحن متروكون هنا لوحدنا، الجهات المحلية هي التي تتولى إدارة واستقبال الوافدين لكن ليست لدينا الموارد الكافية”.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى