آخر الأخبارأخبار دولية

نحو تجديد حلف شمال الأطلسي؟


نشرت في: 03/03/2022 – 18:01

تواجه منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 2019 أنها دخلت في “حالة موت دماغي”، تحديا أوروبيا جديدا مع بدء الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط. فهل هذا مؤشر على تجديد مستمر للحلف الأطلسي؟

قرر الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ لأول مرة نشر قوات التدخل السريع للدفاع عن الحدود الشرقية للحلف، مع تفجر الحرب في أوكرانيا التي تهاجمها القوات الروسية منذ أسبوع.

وهذه الوحدة المشتركة باتت عمليا على الميدان منذ 2004 وهي تضم في صفوفها 40 ألف عسكري لم يتم نشرها لحد اليوم سوى في حالة وقوع كارثة طبيعية أو لتنسيق الانسحاب من أفغانستان في 2021. ضمن هذا السياق، من المنتظر نشر 500 جندي فرنسي في رومانيا حيث تتواجد القاعدة الأساسية للناتو، إضافة إلى إرسال كتائب مكونة من 1000 جندي من دول مختلفة لدعم صفوف قوة الردع في بولونيا ودول البلطيق. كما تم نشر طائرات قتالية لضمان أمن الأجواء في الدول المجاورة لأوكرانيا وروسيا.

وفي ظل هذه الاستجابة الحازمة والضخمة، تراجعت فنلندا والسويد، الدولتان غير المنتسبتين تاريخيا إلى الناتو، لأول مرة عن رفضهما الانضمام إلى المنظمة. هذا الإعلان غير المسبوق، يؤكد الدور المركزي الذي بات يلعبه الناتو في الأزمة الأوكرانية ومدى صلابة ردة فعله.

“عودة الناتو إلى مهمته الأصلية”

لقد بدا الحلف ضعيفا أكثر من أي وقت مضى. فهو منقسم واعتبره إيمانويل ماكرون في 2019 في “حالة موت دماغي”، كما ازدراه علنا دونالد ترامب وهاجم مصداقيته بسبب الفوضى التي وقعت خلال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. لكن “فلاديمير بوتين سمح للناتو بترميم الروابط والانطلاق مجددا” حسبما قالت لفرانس24 جيني رافليك الباحثة في جامعة نانت والمختصة في تاريخ الناتو، مضيفة: “مع الغزو الروسي، استعاد الناتو مهمته الأصلية، تلك التي لا تسبب صراعات بين الدول الأعضاء”.

من جهتها، اعتبرت الباحثة سامانثا دي بندرن في مركز ” ثينك تانك تشاتام هاوس” في تصريح لفرانس24، بأن حلف الناتو، الذي تأسس في 1949 في أوج الحرب الباردة للدفاع عن دول أوروبا الشرقية ضد الكتلة السوفياتية سابقا، قد عاد على الأرجح إلى نزعته الأولى مع حماسة “غير مسبوقة”. وقالت الباحثة إن “الناتو منظمة دفاعية هدفها وضع الدول الغربية تحت المظلة النووية للولايات المتحدة”، مضيفة: “بعد انقسام دام سنوات، أزال التهديد الروسي نقاط الخلاف الرئيسية” بين الدول الأعضاء في الحلف.

نهاية الخلاف

إنه إذا مخرج من الخلافات بين دول الشرق والغرب. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، التحقت دول من الكتلة الشرقية السابقة مثل المجر وبولونيا بالناتو للدفاع عن أراضيهما في مواجهة جارهما الروسي الكبير. وقد أثبتت الأحداث الأخيرة بأن تلك الدول كانت على حق، فيما كانت فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة تسعى لجعل تركيز الناتو منصبا على المخاطر الإرهابية، منطقة المتوسط، والصين.

وقد سمح “التهديد الروسي” أيضا بالتخلص من الانتقادات الأمريكية تجاه نقص الاستثمار العسكري للأوروبيين، وبشكل خاص ألمانيا. وفي هذا الإطار، كان المستشار أولاف شولتز قد أعلن في 27 فبراير/شباط عن مراجعة تاريخية للسياسة الدفاعية الألمانية. فإضافة إلى رصد ميزانية 100 مليار يورو ستنفق على قطاع الدفاع، ستخصص برلين من الآن وحتى 2024 أكثر من 2 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي لجيشها، وهو مطلب كانت الولايات المتحدة تلح عليه منذ سنوات.

وأخيرا، فهذه الأزمة، أفضت إلى إنهاء الشكوك حيال إخلاص بعض الدول من أعضائه. فرنسا المتمردة الأزلية للمنظمة، والتي كانت غادرتها في 1966 بناء على طلب الجنرال ديغول قبل أن تعود إلى الانضمام في حقبة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في 2007، وضعت اليوم ترددها جانبا. ولكن بشكل خاص، إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن في 24 فبراير/شباط عن أنه سيدافع عن كل “شبر من أراضي الناتو” بمواجهة روسيا. 

وفي السياق، تشرح سامانثا دي بندرن: “أوروبا كانت تخشى منذ سنوات من أن تتخلى عنها الولايات المتحدة داخل الناتو”. مضيفة بأن “الموقف الذي اتخذه بايدن خفف من هذه المخاوف، رغم ذلك، لن يكون الأوروبيون مطمئنين بشكل كامل إلا في حال أثبتت الولايات المتحدة إخلاصها عبر الدفاع عنهم في حال النزاع المسلح”.

من جانبها، أظهرت تركيا موقفا مخالفا للمخاوف المسبقة حيالها. وتذكر الباحثة سامانثا دي بندرن بأن “للرئيس رجب طيب أردوغان علاقات متقاربة جدا مع فلاديمير بوتين”، وتضيف: “بدد قرار الرئيس التركي الشكوك، بإرساله الأسلحة إلى أوكرانيا وإغلاقه البوسفور ومضيق الدردنيل (بين المتوسط والبحر الأسود) بوجه السفن الحربية”.

التهديد النووي

لكن خلف هذا الرد الجماعي، لا شيء يضمن أن التماسك المستعاد سيفضي إلى إجماع طويل الأمد لمواجهة روسيا. وتبقى عضوية فنلندا والسويد، المهددتان من الكرملين في حال انضمامهما إلى الحلف، احتمالا ضعيفا، أمام الخطر الذي قد يمثله رد الفعل الروسي. فأوكرانيا مثلا، بررت روسيا غزوها بتقاربها مع الناتو رغم أنها ليست عضوا بعد.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تبنت هلسنكي شكلا من أشكال الحياد، فهي لا مع الشرق ولا الغرب فيما يتعلق بموسكو. لكن مثلها مثل ستوكهولم، التي لم تكن تصدر أسلحة إلى الدول التي تشهد نزاعا، فقد خطت فنلندا الخطوة وأعلنت عن أنها سوف تقدم أسلحة إلى أوكرانيا.

وتذكّر الباحثة جيني رافليك: “كان تحييد فنلندا من التحديات الكبرى للحرب الباردة. ليس من المؤكد أن تقبل الدول الأعضاء في الناتو تحمل خطر إثارة غضب روسيا عبر ضمها”. خصوصا وأن فلاديمير بوتين قد لوح في 27 فبراير/شباط بالتهديد النووي مع إعلانه وضع قوة الردع للجيش الروسي في حالة تأهب. ولتجنب التصعيد، استبعدت الولايات المتحدة علنا أي رد عسكري مباشر في أوكرانيا. كما لم يحظ نداء الاستغاثة الذي وجهه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للناتو للحصول على الدفاع الجوي بأية استجابة.

وحسب سامانثا دي بندرن، فبينما أعلن الاتحاد الأوروبي إرسال طائرات قتالية إلى أوكرانيا، وأن “الدفاع الجوي هو أفضل فرصة لأوكرانيا لربح النزاع العسكري”، فإن جو بايدن كان واضحا، إذ صرح أنه لن يكون هناك تدخل لطيران الناتو في البلد لتفادي أي خطر للاحتكاك بالطائرات الروسية.

إذن، يبقى توسيع دور الناتو غير أكيد، مثله مثل تطوره مستقبلا، فليس من المؤكد أن تقاوم عودة الشعلة حتى نهاية الأزمة الأوكرانية. وتوضح جيني رافليك: “من المعقد التكهن بتطور الوضع في خضم الحرب الدائرة”. وفي الوقت الراهن، فإن الرأي العام الأوروبي يميل أكثر لصالح الإنفاق الدفاعي ودعم تطوير مهمات الناتو. لكن هل سيبقى كذلك حين يهدأ الوضع؟

لو روميو


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى