آخر الأخبارأخبار دولية

وجود إنسان هوموسابيان في أوروبا يعود لزمن أقدم بكثير مما كان يعتقد


نشرت في: 10/02/2022 – 19:07

توصل علماء الآثار والأنثروبولوجيا القديمة في فرنسا إلى أن وجود الإنسان العاقل هوموسابيان أي الحديث في الأراضي التي كان يسكنها الإنسان البدائي الأوروبي نياندرتال، يعود لزمن أقدم بكثير مما هو معروف حتى الآن، وفق ما أظهرت متحجرات وأدوات مكتشفة في كهف ماندرين الواقع عند نهر الرون بفرنسا، حسب دراسة حديثة نشرت نتائجها مجلة “ساينس”.

كشفت دراسة حديثة نشرت نتائجها مجلة “ساينس” أن وجود الإنسان العاقل هوموسابيان، أي الإنسان الحديث، في الأراضي التي كان يسكنها الإنسان البدائي الأوروبي نياندرتال، يعود إلى وقت أبكر بكثير مما هو معروف حتى الآن، على ما أظهرت متحجرات وأدوات مكتشفة في كهف ماندرين الواقع عند نهر الرون في فرنسا.

وفي السابق، أشارت دراسات علماء الآثار إلى انقراض الإنسان البدائي من أوروبا قبل نحو 40 ألف سنة، أي بعد فترة قصيرة نسبيا من وصول “ابن عمه” الإنسان العاقل إلى القارة قبل نحو 45 ألف سنة. ولم تكن أي مؤشرات توحي بأن تعايشا حصل بين هذين النوعين البشريين. 

لكن الاكتشاف الذي توصل إليه فريق علماء الآثار والأنثروبولوجيا القديمة بقيادة الباحث في جامعة تولوز الفرنسية لودوفيك سليماك، أظهر أن وصول الإنسان العاقل إلى أوروبا الغربية يعود إلى حوالي 54 ألف عام. ومن أبرز ما بينه هذا الاكتشاف أن الإنسان العاقل تناوب مع الإنسان البدائي على الإقامة في كهف ماندرين، مع أن العاقل يحل عادة محل البدائي نهائيا.

وداخل الكهف الصخري الأبيض الواقع في منطقة دروم (جنوب فرنسا) والذي بات دخوله متاحا اعتبارا من 1990، تراكمت طبقات أثرية عدة تعكس تاريخ الوجود البشري فيه مدى أكثر من 80 ألف عام، وشرح الباحث أن كل “كل شيء محفوظ جيدا في هذه الرواسب الرملية (…) التي تحملها رياح الميسترال” الشمالية الباردة.

وعثر فريق سليماك على لغز هو عبارة عن طبقة أطلقت عليها تسمية E تحتوي على 1500 رأس على الأقل من الصوان المقطوع، تتناقض براعة تنفيذها مع الرؤوس والشفرات المنفذة بطريقة تقليدية أكثر، في الطبقتين العلوية والسفلية.

أنطلياس عند ساحل جبل لبنان

ولاحظ لودوفيك سليماك المتخصص في مجتمعات الإنسان البدائي أن هذه الرؤوس صغيرة جدا، بعضها يقل قياسه عن سنتيمتر، وهي موحدة الشكل والحجم، ولا يتجاوز الفارق بين أحدها والآخر ملليمترا واحدا، وهي دقة “غير موجودة على الإطلاق لدى الإنسان البدائي”. ويرجح أن تكون هذه الرؤوس لسهام لم تكن معروفة في أوروبا في ذلك العصر.

وأرجع الباحث إنتاج هذا النوع من السهام إلى ثقافة تسمى Neronian، كانت منتشرة في مواقع عدة في ممر الرون. وقصد في 2016 مع فريقه متحف بيبودي في هارفارد بالولايات المتحدة، ليواجه اكتشافه هناك بمجموعة من الحفريات المنحوتة من موقع قصر عقيل في منطقة أنطلياس، عند ساحل جبل لبنان، وهو من أبرز الأماكن التي شهدت انتشار الإنسان العاقل على الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط. 

ونظرا إلى التشابه في التقنيات المستخدمة في تصنيع هذه الرؤوس في موقعي ماندرين وقصر عقيل، استنتج الباحث أن الكهف الفرنسي هو أول موقع يبين وجود الإنسان العاقل في أوروبا. وتأكدت صحة استنتاجه من خلال العثور على سن لبنية في الطبقة E نفسها.

ووجد الباحثون في ماندرين تسعة أسنان في حال جيدة إلى حد ما، وتعود إلى ستة أفراد، عُهد بها إلى عالم المتحجرات في جامعة بوردو كليمان زانولي. وأتاح التصوير المقطعي الدقيق بواسطة ماسح ضوئي عالي الدقة تأكيد استنتاجه بصورة قاطعة، ومفاده أن سن اللبن في الطبقة E “هي السن البشرية الوحيدة الموجودة في هذا المكان”، بحسب ما أوضح.

ثم استخدم الفريق تقنية رائدة  تتمثل في تحليل طبقات السخام الموجودة على جدران كهف ما، وهي بمثابة آثار لمواقد النار قديمة. وأوضح سليماك أن دراسة قطع الجدار “التي سقطت مباشرة في الطبقات، تظهر أن الإنسان العاقل كان يعود مرة واحدة في السنة إلى الكهف طوال 40 عاما”.

“الإنسان البدائي دليل العاقل”

وجاء الإنسان العاقل إلى هذا الكهف بعد عام واحد فقط من إقامة الإنسان البدائي فيه. وعندما غادره الإنسان العاقل نهائياً، عاد الإنسان البدائي إليه، ولكن بعد زمن طويل (نحو ألف سنة). وخلص الباحث إلى أن الإنسانين العاقل والبدائي تعايشا “في وقت ما، إما في الكهف أو في المنطقة نفسها”. ورجح أن الإنسان البدائي كان بمثابة دليل للعاقل، ودله إلى أفضل مصادر الصوان المتاحة، والتي تقع على مسافة تصل إلى 90 كيلومترا. 

ورأى المتخصص في التطور البشري في متحف التاريخ الطبيعي في لندن البروفيسور كريس سترينغر الذي شارك في إعداد الدراسة أن “ظهور الإنسان الحديث وانقراض الإنسان البدائي أكثر تعقيدا بكثير” مما كان يعتقد حتى الآن. واعتبر في بيان أن فهم التداخل بينهما أمر ضروري لشرح “سبب بقائنا وحدنا دون غيرنا من أنواع البشر”.

ويحمل هذا التداخل، الذي يظهر بوضوح في ماندرين، على الاعتقاد بأن نهر الرون كان بمثابة “ممر هجرة كبير” يمكن الإنسان العاقل من “الانتقال إلى الفضاء المتوسطي والفضاء القاري الأوروبي”، بحسب لودوفيك سليماك الذي وعد باكتشافات أخرى لمحتويات كهف ماندرين.

فرانس24/ أ ف ب


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى