آخر الأخبارأخبار دولية

هل تستخدم الحكومة كرة القدم كوسيلة “إلهاء” عن الصراع الدموي الدائر غرب البلاد؟

نشرت في: 18/01/2022 – 14:41

يسلط اغتيال عضو مجلس شيوخ نافذ يوم الثلاثاء 11 كانون الثاني/يناير في الكاميرون، البلاد المضيفة لبطولة كأس الأمم الأفريقية (كان 2022)، الضوء على الصراع المتأجج والمستعر في الجزء الناطق باللغة الإنكليزية غربي البلاد والذي تحاول الحكومة التستر عليه. ويسوِّق الرئيس بول بيا للبطولة بوصفها رمزًا لوحدة البلاد بيد أن السياسات التي تتبعها حكومته لم تسفر إلا عن تفاقم الانقسامات وسكب المزيد من الزيت على النار.

في أوج منافسات بطولة كأس الأمم الأفريقية (الكان)، وخلافا لادعاءات السلطات، يعد ضمان الأمن في الأقاليم الكاميرونية الناطقة باللغة الإنكليزية أمرًا بعيدًا عن الواقع، فتلك المناطق الواقعة شمال غرب وجنوب غرب البلاد، ومنذ عام 2017 يجتاحها صراع بين الجيش والانفصاليين.

فقبل مباراة افتتاح البطولة التي أقيمت في ليمبي مساء الثلاثاء 11 كانون الثاني/يناير، غادر السيناتور هنري كيميندي منزله في مسقط رأسه بامندا، عاصمة المنطقة الشمالية الغربية التي مزقتها الحرب… ولم يعد قط.

بعد ساعات عدة، عثر على جثمان الخصم السياسي العتيد وصدره ممزق بطلقات الرصاص. فهنري كيميندي، المحامي وعضو مجلس الشيوخ ممثلًا لأحد أحزاب المعارضة الرئيسية في الكاميرون “الجبهة الديمقراطية الاجتماعية”، هو مدافع من الوزن الثقيل عن حقوق الإنسان بالبلاد. وهو أيضا ممثل مهم للأقلية الناطقة باللغة الإنكليزية التي تمثل نحو 20 بالمئة من سكان البلاد البالغ عددهم 28 مليون نسمة.

وعلى الرغم من التهديد الجهادي الذي تواجهه البلاد في شمالها، والتمرد الانفصالي في غربها، ووباء فيروس كورونا الذي يجتاحها، لم تدخر الحكومة جهدًا في التأكيد على أن: “الأمن مضمون”. وهو أمرٌ مستغرب نظرا للتهديد بتعطيل المباريات الذي وجهه مقاتلو الجماعات المسلحة المكونة من مزيج غير متجانس، التي تقاتل من أجل إنشاء دولة مستقلة في غرب البلاد أطلقوا عليها اسم “أمبازونيا”.

وحتى اللحظة الراهنة، لم يعلن أحد إلى الآن مسؤوليته عن قتل هنري كيميندي. وبينما نفت “القوات الديمقراطية المتحالفة”، وهي إحدى الجماعات الانفصالية الرئيسية الناطقة بالإنكليزية، مسؤوليتها عن ارتكاب هذه الجريمة، أعلنت مسؤوليتها عن هجوم يوم الأربعاء الماضي، أسفر عن مقتل جندي كاميروني نظامي في بويا، وهي بلدة تقع غرب البلاد على بعد حوالي 20 كيلومترا شمال ليمبي، التي تستضيف فرق المجموعة السادسة المشاركة في البطولة: مالي وغامبيا وتونس وموريتانيا.

كان هنري كيميندي ضيفًا دائم الظهور على شاشات القنوات التلفزيونية الناطقة باللغة الإنكليزية في الكاميرون، ولما لا فهو مدافع شرس عن حقوق ناخبيه ولا يخشى مواجهة السلطة الحاكمة وانتقادها علانية.

“يا لها من خسارة فادحة”، هكذا بدأ كريستوفر فومونيوه حديثه لفرانس 24، وهو الباحث الأول في الشوؤن الأفريقية بالمعهد الوطني الديمقراطي ومقره واشنطن العاصمة. وتابع بالقول: “وبالطبع خسارة أكبر لعائلته. كما أنها خسارة لا تعوض لمهنة المحاماة، بالنظر إلى الدور الذي ساهم به المحامون منذ بدء هذه الأزمة والمسؤولية الواقعة على عاتقهم من أجل تقديم حلول لها. أما على المستوى الوطني، فإن اغتيال عضو بمجلس الشيوخ الذي هو مؤسسة حماية الدستور أمر عظيم الخطر. كما يمثل خسارة فادحة ستؤدي لاستمرار الصراع واتساع الفجوة بين السكان الناطقين باللغة الإنكليزية والدولة الكاميرونية”.

إن اغتيال هنري كيميندي والهجوم على بويا يضعان تحت المجهر صراعًا تحاول الحكومة الكاميرونية إخفاءه عن المجتمع الدولي.

مشجعة كاميرونية خارج إستاد أولمبه، ياوندي، الكاميرون 9 كانون الثاني/يناير 2022 © رويترز

اغتيال آخر ومشكلة استعمارية مزمنة

لقد فشلت الدولة الكاميرونية، بقيادة الرئيس بول بيا البالغ من العمر 88 عاما والقابع في السلطة منذ 40 عامًا، في ضمان سلامة مواطنيها في الأقاليم الغربية. فبسبب ذلك التمرد الذي يجتاح المناطق الناطقة باللغة الإنكليزية، سقط أكثر من ثلاثة آلاف قتيل ونزح ما يقرب من ألف شخص خلال السنوات الخمس الماضية، بينما يتهم الطرفان بعضهما بعضًا بارتكاب فظائع وعنف يند عن الوصف.

اندلعت الأزمة شمال غرب الكاميرون في شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2016، عندما خرج المحامون في مظاهرة بشوارع بامندا للاحتجاج على الاستخدام الحصري للغة الفرنسية في المحاكم والمصالح الحكومية الأخرى.

لكن جذور المشكلة تعود إلى الحقبة الاستعمارية، عندما تم تقسيم منطقة وسط أفريقيا التي استعمرتها ألمانيا بين بريطانيا وفرنسا بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها. وباستقلال البلاد، أصبحت الكاميرون دولة اتحادية بموجب بنود دستور عام 1961. واعتمدت اللغتان الفرنسية والإنكليزية رسميًا.

إلا أن الكاميرونيين الناطقين باللغة الإنكليزية لم يكفوا عن الشكوى والتذمر من تعرضهم للتمييز والتفرقة، لا سيما أن المناصب العليا في الحكومة، وكذلك في قطاع النفط، يشغلها دائما الناطقون بالفرنسية. كما يستنكرون نشر وتحرير الوثائق الحكومية باللغة الفرنسية فقط وهو ما يقصيهم ويستبعدهم من تقلد أفضل الوظائف في الخدمة المدنية.

كانت المظاهرات سلمية حتى أطلقت الحكومة حملة قمع شرسة استهدفت المئات من أعضاء أحزاب المعارضة والناشطين بالسجن والاعتقال وأغرقت السكان في موجة من الخوف من الاعتقال العشوائي والتعسفي. وأسفر هذا القمع عن ظهور وانبثاق العديد من الميليشيات الانفصالية المسلحة التي تطالب بدولة جديدة: “أمبازونيا”. وتستهدف بالهجوم بصورة منتظمة السكان المتهمين “بالتعاون” مع الحكومة. كما أعلنت مقاطعة المدارس وهو ما يحرم مئات الآلاف من الأطفال من الحصول على التعليم.

تقول لنا ريبيكا تينسلي، ناشطة في “الحملة العالمية للسلام والعدل في الكاميرون” ومقرها لندن، “إن من يدفع الثمن هم دائما السكان المدنيون المحاصرون بين نارين”.  و”العنف يتصاعد، ففي عام 2021، وقع أكثر من 80 هجوما في الأقاليم الناطقة بالإنكليزية وحدها بمتفجرات مصنوعة محليًا.  و”بات أكثر من مليون طفل محرومين من التعليم جراء هذا العنف، وأصبح الشعور بالأمان منعدمًا كليةً، وهو ما يحيل حياة السكان اليومية إلى جحيم”.

تعثر محادثات السلام

وفي محاولة لوقف تصاعد العنف، في العام 2017 أي بعد عامين من مطالبة الجماعات المسلحة باستقلال أمبازونيا، وافق مفاوضون سويسريون على التوسط في المحادثات بين السلطات الكاميرونية والانفصاليين. ولم تلق مقترحات السلام السويسرية أذنًا صاغية، بل عوضًا عن ذلك أطلقت الحكومة الكاميرونية حوارا وطنيا استمر من 30 أيلول/سبتمبر إلى 4 تشرين الأول/أكتوبر عام 2019 وسط لغطٍ كبير.

وبعد مرور عام على ذلك كان غرب البلاد لا يزال في حالة تمرد والعنف في تصاعد. ولم تصرف الحكومة إلى الآن إلا عشرة بالمئة فقط من المبلغ المخصص لإعمار المنطقتين والبالغ قيمته 163 مليون دولار، نظرًا لاشتداد المعارك وتعطيلها لأعمال البناء.

وتشير ريبيكا بالقول: “كان الحوار الوطني مسرحية لإسكات المجتمع الدولي”. “فقد كان فاقدًا للمصداقية لأن معظم الناطقين باللغة الإنكليزية لم تتم دعوتهم أو كانوا يخشون الذهاب [إلى ياوندي] حتى لا تلقي السلطات القبض عليهم”. ويتشارك معظم المحللين الرأي بأن المحادثات، التي جمعت ممثلين عن عشرة أقاليم كاميرونية بدلا من التركيز على المناطق المتضررة من الصراع، كانت فاشلة تمامًا.

ستنتهي بطولة كأس الأمم الأفريقية لكن “المشاكل ستظل موجودة”

لقد كان من الممكن لهذه البطولة أن تكون فرصة لإحياء عملية السلام المحتضرة، أو تقييم الإخفاقات والبدء من نقطة الصفر. إن كرة القدم رياضة سياسية في الكاميرون وتساهم بدور بالغ الأهمية في الحياة العامة. فعلى المستوى الوطني، تمثل هذه الرياضة “عنصرًا يعمل على تحويل الأنظار عن النظام السياسي الخاضع لرقابة مشددة في البلاد. بينما على المستوى الدولي، تعوض الإنجازات الرياضية عن دور الكاميرون الضعيف في سياسة القارة السمراء أو حتى في السياسة العالمية”، كما يشرح جوان كلارك وجون صنداي أوجو في تقريرهما المعنون “السياسة الرياضية في الكاميرون”.

وبات الرئيس الكاميروني – المتقدم في السن والذي يعاني من مشاكل صحية تجبره على الإقامة الطويلة في سويسرا – محل السخرية والتهكم حول قدراته العقلية. لكن بول بيا أظهر أنه يدرك قوة تأثير كرة القدم في هذه الأمة المفتونة بهذه الرياضة. حتى إنه صرح قائلا إن البطولة هي “لحظة عظيمة لإثبات وتوطيد مشاعر الأخوة بيننا” وإن من شأنها أن تمنح للكاميرونيين فرصة لإظهار وعرض “التنوع الثقافي الغني لبلدنا الذي جعله يستحق لقب ’أفريقيا المصغرة‘” عن جدارة.

لم يعد من الممكن استئناف عملية السلام في الأقاليم الناطقة باللغة الإنكليزية إلا بعد تحقق أربعة شروط، وفقا لكريستوفر فومونيوه: إعلان وقف فوري لإطلاق النار لإنهاء حلقة العنف المفرغة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإشراك مفاوضين غير كاميرونيين من أجل تسهيل التواصل بين الأطراف المتناحرة، وأخيرًا القبول بعقد المحادثات في بلد محايد”.

وعلى الرغم من الآمال المنعقدة على تنظيم بطولة كأس الأمم الأفريقية في الكاميرون، فإن كريستوفر فومونيوه لا يتقاسم هذه الآمال مع الآخرين، ويقول مؤكدًا: “بعد بضعة أسابيع سينفض الحدث الكبير لكن المشاكل ستبقى كما هي”.

لقد تركت وفاة هنري كيميندي شعورا عميقا بالفراغ لدى جميع الكاميرونيين المشاركين في حل النزاع. فقد كان، كما يقول فومونيوه: “أحد الشخصيات النادرة الناطقة بالإنكليزية التي تميزت بالصراحة وكانت قادرة على التواصل مع الجانبين”. ثم يضيف: “للأسف الشديد، لم أعد واثقًا من إمكان إجراء تحقيق شامل وعميق، أو من أنه سيتم العثور على مرتكبي الجريمة [قتل هنري كيميندي] ومحاكمتهم، أو أن العدالة ستتحقق”.

النص الإنجليزي: ليلا جاسينتو | النص العربي: حسين عمارة


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى